جمالها في خضرتها صيفاً وشتاء، في كويت الماضي والحاضر، وفي مناخ متطرف في حرارته الشديدة صيفاً، وبرودة قارسة شتاء، إنها شجرة الصفصاف، ذكريات لا تنسى في أذهان أهل الكويت صغاراً وكباراً. توقفت زراعتها فترة طويلة من الزمن بحجة تسببها في أمراض الحساسية، إلا أن العصر الحالي أنصفها، فتجددت زراعتها أولاً على استحياء، ثم التُفِتَ إليها حديثاً عبر عمل تطوعي سمي بالمبرة التطوعية البيئية، قام به مشكوراً خالد الكليب توسعاً في زراعتها تحت شعار «الكويت واحة خضراء»، و«سور الكويت الأخضر». كما قامت الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية أيضاً مشكورة بالتوسع في زراعتها، وأعادت هذه الجهود مجتمعة للشجرة بهاءها على أرض الكويت، والغاية أيضاً جعلها مصدات للرياح وما تثيره من غبار، خصوصاً أنها من الأشجار المعمرة، السريعة النمو، المتشابكة أغصانها، مع وفرة في أشواكها، ولا تحتاج بعد نمائها وتمكن جذورها في الأرض إلى وفرة الماء، فهي تبحث عنه أنَّى كان. يستظل بظلها كل من يروم الراحة من الناس، وحتى أهل الصنائع إذا ما انتهوا من أعمالهم، فإنهم يجدون فيها غايتهم ومقصدهم من الظل يريحهم من حرارة الصيف الملتهبة، فيفترشون الأرض بظلها، ويتناولون طعامهم، ثم يخلدون إلى النوم والراحة، وكأنهم قطنوا بيتهم الذي ألفوه. تزهر في فصل الربيع، وتألفها الطيور، خصوصاً الصغيرة منها، وأشهر الطيور التي لا تفارقها البتة «الزعرة» و«الصليبي» و«المطرق» و«الحمروش» و«الذبابي» و«الزرزور».. وغيرها، كما تضع «الزرازير» و«حمام البر» أعشاشها فيها. شجرة الصفصاف كل ورقة منها تؤلف وريقات صغيرة متناسقة، وكانت تمثل ذكرى جميلة طريفة عند الأطفال والصبيان والبنات، فمن حزبه أمر احتار الاختيار فيه بين شيئين، أخذ ورقة من أوراق الصفصاف، وأخذ ينزع عنها تلك الورقيات واحدة تلو الأخرى، وكل وريقة تمثل أحد الاختيارين إلى أن ينتهي من جميع الورقيات الصغيرة، فأي واحدة منها كانت الأخيرة صار اختياره. وتستخدم سيقانها وجذوعها وأوراقها ولحاؤها في التدفئة وفي بعض الصناعات الخشبية والعقاقير الطبية، ويقال إن الأسبرين يستخلص من أوراقها، لذا هي مسكن وعلاج للصداع وآلام الرأس وتخفيف آلام الجسد، وهي أيضاً لعلاج الحمى وسرطان القولون وآلام المفاصل وعرق النسا وإيقاف النزيف الدموي. والرجوع إلى الطب الحديث لا يستغنى عنه في هذا المجال لمعرفة الحقيقة في ذلك أو نفيها. تبقى شجرة الصفصاف تمثل أجمل الذكريات لجيل الأمس وجيل اليوم، شامخة بها أرض الكويت، تزينها خضرة ونماء، وجميل عطاء. د. سعود محمد العصفور
مشاركة :