عبدالحفيظ العابد: الطفل في المجتمع الليبي يعرف أكثر مما يعرفه الكبار ليس ذهاب الشاعر إلى كتابة غير الشعر وخاصة الرواية تنصلا من الشعر أو تنكرا له يصل حد العداء، بل هو تكامل أدبي، يقفز على التقسيم الصارم والوهمي بين الأجناس الأدبية، لذا الشاعر في الرواية أو الروائي في الشعر، ليس سوى تنقل شكلي. “العرب” التقت الشاعر الليبي عبدالحفيظ العابد إثر إصداره مؤخرا لروايته الأولى “ماءان” وكان لنا معه هذا الحوار.العرب خلود الفلاح [نُشر في 2017/12/04، العدد: 10832، ص(14)]الشاعر ليس منعزلا ويمكنه كتابة رواية (لوحة للفنان سعد يكن) عبدالحفيظ العابد شاعر ليبي، احتفل هذه الأيام بصدور روايته الأولى “ماءان” عن دار نشر تموز بدمشق، لم يتجه إلى الرواية كنوع من الموضة أو ترك الشعر لحاله وإنما كحالة إبداعية تطلبتها أحداث الرواية التي منحته مساحة كبيرة لتفاصيل دقيقة. الرواية تقترب من الواقع الليبي كعادة تصفيح النساء وطقوس الأفراح الليبية وعزف الزكرة والأكل الشعبي كالبازين. الرواية والانتظار يرى الروائي عبدالحفيظ العابد أن المتغيرات الحالية التي يمر بها المجتمع الليبي ربما يكون تأثيرها سلبيّا إلى حدّ الآن؛ لأنّ الكثير من الأقلام جف حبرها بعد ما طرأ على المجتمع الليبي، لكن لا بد أنْ يكون لما حدث تأثيره على المشهد الأدبي في ليبيا دون أنْ يقتضي ذلك بالضرورة أنْ تتزامن المتغيّرات السياسية مع المتغيّرات الأدبية، لأنّ أكثر المتعصبين لعلاقة الأدب بالمجتمع أدركوا ذلك، فأوجد ماركس مثلا مصطلح “العصور الطويلة” ليفسّر بعض الظواهر الأدبية التي لا يمكن ردّها إلى لحظتها الراهنة، وإنما هي نتيجة تغيّرات اقتصادية وسياسية سابقة؛ أي أن التحولات الأدبية في الغالب لاحقة للمتغيرات السياسية والاقتصادية، والأمر ينطبق على الحالة الليبية. يقول الروائي عبدالحفيظ العابد إن روايته ماءان، هي “نمذجة للواقع، لكنّها ليست صورة مباشرة لهذا الواقع؛ ذلك أنها تهدف إلى تأسيس واقعها الخاص، من هنا فرّق ريفاتير بين الواقع الداخلي والواقع الخارجي، بالرغم من ذلك فإنّ ما تطمح الرواية إلى تحقيقه عبر بعض تقنياتها هو إيهام القارئ بحقيقتها؛ أي أنها حادثة قد وقعت بالفعل”. ويضيف “فعلياً أنا انقطعت عن كتابة الشعر منذ مدة طويلة نسبيا، لكني لا أظن أنه انقطاع نهائي، وإنما هو انقطاع مرحلي يهدف إلى إعادة تقييم التجربة، فالشاعر يعيش دائما حالة انتظار قصيدة جديدة تعيد كتابته من جديد”. ويشير ضيفنا إلى أن أحداث الرواية تجري في ثمانينات القرن الماضي. “وربما يعود الأمر إلى أهمية تلك المرحلة، إضافة إلى سبب شخصي يكمن في أنّ تلك المرحلة تمثّل طفولتي وبداية وعيي بالحياة، الحياة وهي مهتوكة الحجب، فالطفل في مجتمعنا المقنّع يعرف أكثر مما يعرفه الكبار”. ومن جهة أخرى يؤكد العابد أن هناك روائيين حقيقيين، لكنه لا يقصد الأسماء الكبيرة التي أضحت معروفة عربياً، إنما الأسماء الشابة التي ينقصها عامل الاستمرار، فالرواية بحسب قوله “تحتاج إلى نوع من التفرّغ، وهي لم تتحول بعد إلى عمل احترافي يعيش منه الكاتب، كما أن صعوبات النشر للأسماء غير المعروفة عربيا تعيق استمرارية حضورها”.في مواجهة التابوهات الثلاثة التابوهات الثلاثة في الرواية إشارة إلى الظلم الواقع على المرأة كعملية التصفيح مثلا التي تعد إهانة حقيقية للنساء. وهنا يقول العابد “بالتأكيد، الظلم الواقع على المرأة في المجتمعات العربية لا يحتاج إلى شهادة أحد؛ لأنه حقيقة معيشة بعيداً عن الشعارات التي تُرفع هناك وهناك، لأن الواقع يكذّبها، صحيح أنّ الرواية -والكتابة الإبداعية عموما- لا يمكنها تحقيق غايات إصلاحية، ولا تتمثّل دور الواعظ، لكنّها في المقابل تهدف إلى فضح المجتمع، وتجريده من أقنعته المركبة، ولا تقدم العالم كما يريد له بعضهم أن يكون”. ويرفض ضيفنا المقارنة بين الشعر والرواية وأي منهما أصلح في الكتابة، مؤكدا أن المسألة ليست أيهما أنسب للكاتب، لكن الرواية تتيح للكاتب أن يقول ما لا يمكن أن تقوله القصيدة دون أن ينقطع عن الشعر بالمطلق، فالرواية تنهض على تعدد المستوى اللغوي، وهي نوع يستوعب بعض الأنواع الأخرى بما فيها الشعر، من هنا يأتي احتفاء بعض الشعراء بالرواية. ويشير العابد إلى أن المكان في روايته التي تنتقل أحداثها بين الريف والمدينة، ليس مجرّد فضاء تتحرّك فيه الشخصيّات وتنجز فعلها السردي، حيث إنه؛ أي المكان، يؤثر في الشخصيات كما تؤثر هي فيه، فهو، كما يرى غاستون باشلار، لا يُعدّ أليفاً أو معادياً ما لم يسكنه إنسان، “كما ذكرت الرواية نمذجة للواقع، من هنا حاولت رواية ‘ماءان’ أن تُقدّم واقعها في فضاءين مختلفين ريفي ومدني مراعية هذا التأثير المتبادل بين المكان والإنسان، فالكثير من الأفعال ترتهن بمكانها وزمانها أيضاً”. اقتربت الرواية من الثالوث الدين والسياسة والجنس. ويرجع العابد ذلك إلى أن هذه التابوهات الثلاثة تُمثّل السلطة، هذه السلطة يفرضها السياسي أو رجل الدين أو المجتمع على الإنسان، لكنّ الأخير يظل ينزع إلى خرْقها، وبما أنه غير قادر على فعل ذلك في العلن، فإنه يفعل ذلك في الخفاء. يقول عبدالحفيظ العابد “لطالما شكّل هذا الثالوث تحديا للكاتب؛ إذ أن تعرية المجتمع والكشف عن المحتجب يمثلان تحديا للسلطة نفسها، وبالنسبة إلى رواية ‘ماءان‘ حاولت أن تقدم رؤياها الخاصة لعلاقة الإنسان بهذه التابوهات دون أنْ تنقطع عن خصوصيتها الليبية، كما أنها حاولت أنّ تناوب بينها وتسير في خطوط متوازية”.
مشاركة :