عملية المفاوضات كانت مجرد عملية صورية، وتعبير عن إرادة دولية، وهذا ينطبق على مسار جنيف التفاوضي، في حين أن العملية التفاوضية في مسار أستانة كانت محصورة بالدول الثلاث فقط، أي روسيا وإيران وتركيا.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2017/12/04، العدد: 10832، ص(8)] انتهت المرحلة الأولى من الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، بين النظام السوري والمعارضة (بين 28 و30 نوفمبر الماضي)، من دون التوصل إلى أي شيء، وحتى من دون إجراء أي مفاوضات أو حوارات ثنائية لأي قضية كانت. بل يمكن الجزم بأن عودة المتفاوضين إلى المرحلة الثانية من المفاوضات في هذه الجولة (بعد أيام) والتي تنتهي في منتصف هذا الشهر، لن تفضي إلى أي نتيجة تذكر، أو تؤثر في مصير الصراع السوري. وفي الواقع، على مر السنوات الماضية شهدنا أن ثمة مفاوضين كثرا، لا سيما في وفد المعارضة، ولكن لا وجود لمفاوضات، وثمة كثير من الإعلام والخطابات من الطرفين، ولكن لا وجود للسياسة. أيضا ثمة أوهام ومساومات، كما ثمة ادعاءات ومطالبات، لكنها كلها لزوم تسخين أجواء المفاوضات السورية ـ السورية، وإثارة الجدل من حولها، لا أكثر. هكذا نحن، في حقيقة الأمر إزاء “طبخة بحص” سواء تعلق ذلك بالجولات التفاوضية الثماني في جنيف، أو بالجولات التفاوضية الست في أستانة، بل إن ذلك يتعلق أيضا، بالمؤتمر الذي أزمعت روسيا على عقده في سوتشي، بعد أن تم تخفيض الطموحات الروسية التي بنيت عليه، وتحولها إلى عقده لمرة واحدة، بعد أن فشلت في تسويقه لدى حليفيها في مسار أستانة (إيران وتركيا) لأسباب تخصّ كل واحد منهما. والأهم أنها أخفقت في تسويقه لدى الإدارة الأميركية، التي سارعت بدورها إلى الخروج من دائرة الصمت أو اللا مبالاة، إلى التأكيد على مسار المفاوضات في جنيف، باعتباره بالنسبة لها المسار الوحيد لحل الصراع السوري، مع تأكيدها على بقاء قواتها في سوريا إلى حين حصول التسوية في هذا البلد، ناهيك عن محاولاتها اللافتة لاستعادة تركيا إلى دائرتها السياسية في الصراع السوري. المقصد هنا لفت الانتباه إلى عدة مسائل، أولها أن كل تلك المسارات والجولات التفاوضية كانت بمثابة تمرين سياسي، أو ساحة اختبار، لتجاذبات القوى، بين الأطراف المتصارعة على سوريا، ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، وباقي الأطراف، الدولية أو اللا دولية، المحسوبة على كل واحدة منها. ثانيا إن الحقيقة الغائبة، أو التي يجري التشويش عليها، تفيد بأنه ولا مرة جرت مفاوضات فعلية بين الجانبين المعنيين، أي النظام والمعارضة، في كل هذه الجولات، في جنيف وفي أستانة، وأن عملية المفاوضات كانت مجرد عملية صورية، وتعبير عن إرادة دولية، وهذا ينطبق على مسار جنيف التفاوضي، في حين أن العملية التفاوضية في مسار أستانة كانت محصورة بالدول الثلاث فقط، أي روسيا وإيران وتركيا. ثالثا، يستنتج من ذلك أن السوريين هم الطرف الغائب في هذه المفاوضات، نظاما ومعارضة، وأن قدرة أي منهما على إنفاذ موقفه، أو إملاءاته، إزاء الطرف الآخر باتت محدودة أو مقيدة. فالنظام، مثلا، بات فاقد السيادة، وفوقها القوة، وأضحى مجرد طرف يُملى عليه، حينا من روسيا، وحينا من إيران، الأمر الذي قد يحوّل هذين الطرفين من إطار التنافس إلى إطار التخاصم أو التصارع مستقبلا. أما بالنسبة للمعارضة فهي ضعيفة ومشتتة ومرتهنة، أي إنها خاضعة للأطراف الإقليمية والدولية “الصديقة”، ما يؤثر على وضعها، لا سيما مع تغيير مواقع هذه الدولة أو تلك، ومع عدم حسم الإدارة الأميركية لموقفها من الصراع السوري. رابعا، يتضح من كل ما تقدم أن المفاوضات ستظل مرهونة بمدى، وباتجاه، تطور الموقف الأميركي، مع وجود إشارات على غاية في الأهمية، صدرت مؤخرا، أولاها التركيز على تحجيم إيران، واعتبارها خطرا على الأمن الدولي والإقليمي، ومن أهم عوامل الاضطراب في المشرق العربي، وخاصة في سوريا. وثانيتها تأكيد وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين على اعتبار مسار المفاوضات في جنيف بمثابة المنبر الوحيد الذي يمكن من خلاله حل الصراع السوري، في تهميش واضح للمسارات الأخرى، أو اعتبارها مجرد تابعة لمسار جنيف . وثالثتها، محاولة استعادة الولايات المتحدة لعلاقاتها مع تركيا، وربما هذا الوضع هو الذي حجم الطموح الروسي، أو ألجمه، بخصوص فتح مسار تفاوضي جديد في سوتشي، إذ أن تركيا تلقفت، على الأرجح، الإشارة الأميركية وعملت على الاستثمار بها في وضعها شروطا على مؤتمر سوتشي، خففت من حماس روسيا له. هكذا ستمضي الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، والجولة التي تليها من مفاوضات أستانة، وسيعقد مؤتمر سوتشي، لكن كل شيء سيبقى رهنا، ليس بإرادة السوريين، ولا بصراعاتهم الدامية والمدمرة على الأرض، وإنما رهنا بتموضعات القوى الدولية والإقليمية في هذا الصراع. ومثلا، فإلى أين ستذهب روسيا، لا سيما بعد حديثها عن تخفيض قوتها العسكرية في سوريا وبعد حال التجاذب الروسي- الإيراني؟ ثم ماذا بالنسبة لروسيا وإيران بعد التحول التركي نحو الولايات المتحدة؟ وماذا بالنسبة لكل هذه الأطراف بعد اقتراب لحظة الحسم الأميركية؟ كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي
مشاركة :