"يمكن برضه ساعتها نسامحك لما تقف وسطينا تعزي ف نفسك وانت حتضحك زي عوايدك أضحك جدا ما يهمكش بس بجد يا ميكي يا صاحبي المرة دي المقلب بايخ ما يضحكش" هكذا عبر الشاعر إبراهيم عبدالفتاح عن صدمته إثر نبأ الرحيل المباغت لصديقه ورفيق جولاته في وسط البلد (القاهرة)، وكان الروائى مكاوى سعيد، أو ”ميكى” كما كان يناديه المقربون منه، قد وافته المنية صباح السبت الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2017، عن واحد وستين عاما من العمر. ويذكر أن الراحل وُلد في القاهرة في السادس من يوليو/تموز 1956، درس المحاسبة في كلية التجارة، جامعة القاهرة، وفيها بدأ رحلته مع الكتابة، في أواخر السبعينيات، يومها كان يكتب الشعر العامي والفصيح, وبدأ النشر في المجلات الأدبية التي كانت تصدر حينها، حتى قبل تخرجه، فلقب بشاعر الجامعة . وفي مطلع الثمانينيات بدأ كتابة القصة القصيرة وشارك في الندوات التي كانت تُقام بمقاهي وسط البلد، وهناك عرض قصصه الأولى، وتعرّف في مقهى علي بابا بالقاص يحيى الطاهر عبدالله وقرأ عليه قصصه فأعجبته واختار بعضها لإرسالها إلى مجلات عربية بتزكية منه. كما فاز بعضها بجوائز في مسابقات نادي القصة بالقاهرة. وفي عام 1981 أصدر أولى مجموعاته القصصية “الركض وراء الضوء”, لكن الرحيل المأساوي المفاجىء لأستاذه يحيى الطاهر عبدالله والتحاقه بالعمل محاسبا في إحدى شركات المقاولات القاهرية دفعاه للابتعاد لفترة طويلة عن مقاهي المثقفين وعن الوسط الأدبي عموما، فلم تصدر روايته "فئران السفينة" إلا بعد عشر سنوات من صدور كتابه الأول، وكانت الرواية قد ظلت حبيسة أدراج الهيئة المصرية العامة للكتاب لست سنوات إلى أن فازت بالجائزة الأولى للرواية في مسابقة سعاد الصباح للإبداع العربي عام 1991، فأفرجوا عنها. وفي العام التالي أصدر مجموعته الثانية "حالة رومانسية"، وربما عدم الالتفات إليهما نقديا بشكل يرضيه دفعه لمعاودة الإبتعاد. فبقى بعيدا وظل منسيا لخمسة عشر عاما قبل أن يعود بروايته "تغريدة البجعة" 2007، والتى نال عنها جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 2008، كما وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في دورتها الأولى، وقد وصفها الناقد والأكاديمى حسين حمودة بأنها "لفتت الانتباه إلى تجربته الإبداعية، وفيها يلتقط التغيرات والتحولات الكبرى في فترة مرجعية متصلة بالعقود الأخيرة، وتمزج بينها وبين خبايا العالم التحتي لقلب مدينة القاهرة، من جهة، وتجارب شخصية راويها الأساسي؛ وهي تجارب مثقلة بالاغتراب والموت، بما يجعل هذه الرواية تنهض على ما يشبه المرثية الأخيرة، غنائية النبرة، لمن غيبهم الموت وإن ظلوا أحياء بداخل الراوي المتكلم، بل وتجسد ما يشبه مرثية ذاتية له هو أيضا؛ إذ يكابد موته المجازي ويستشعر موته الفعلي القادم". ولعل النجاح الكبير الذى حققته الرواية هو ما حفزه لمواصلة الإبداع وربما تملكته رغبة عارمة لتعويض ما فاته، فتوالت مجموعاته القصصية، مثل "راكبة المقعد الخلفي" ، "سري الصغير"، "ليكن في علم الجميع سأظل هكذا"، "البهجة تحزم حقائبها" و"غرفة لم يدخلها رجل"، و"اللامرئيون": مختارات قصصية، وكلها صدرت عام 2013. وكان قد أصدر في عام 2010 كتابا فريدا هو "مقتنيات وسط البلد" انتقى فيه بعين الروائي وجوهًا وأماكن من منطقة وسط البلد، وهي ملتقى المثقفين والفنانين المصريين، يمارسون فيها الفن والسياسة والكلام والصعلكة، كما أصدر كتبه عن "ميدان التحرير وتجلياته" و"كراسات التحرير" و"أحوال العباد" قبل أن يختتم أعماله بروايته الطويلة "أن تحبك جيهان" 2015 بعدها لم يصدر كتبا جديدة، انتظر محبوه أن يفاجئهم بعمل جديد، لكنه فاجأهم بالرحيل الأبدي، لتحزم البهجة حقائبها. بأسى يحكي القاص سعيد الكفراوي قائلا: اليوم السابق لوفاة مكاوي سعيد حضرت ندوة في مقهى زهرة البستان، وجاءت جلستي بجانبه، بينى وبينه الأديب الليبى زياد علي، وكان حديثنا أغلب القعدة عن روايته الجميلة "أن تحبك جيهان" كنت أتكلم وهو صامت تماما، وكان يصغي لكلامي باهتمام، ولم أكن قد حدثته سابقا عن الرواية، كان يشعر بالسرور من كلامي ولكنه لم يتلفظ لفظا واحدا، بدا حزينا بلا سبب، وصلني حزنه فصمت. وفجأة نهض فسألته: مالك يا مكاوي مستعجل كده ليه ما تقعد لسه ما أقعدناش مع بعض، فنظر ناحيتي وقال خلاص زهقت ياعم سعيد وعاوز أروح. وخطا من خلف الزحمة واستلم طريقه ومضى حيث يلقى وجه الكريم. يغيب مكاوي مهما غاب عنك لكنك تشعر في غيابه بالمؤانسة والمسامرة واذا رآك بعد غيبة عاتبك العتاب الجميل على غيابك أنت. مكاوي سعيد واحد ممن كتبوا هامش الحياة المصرية، بشرها وعوالمها كما لم يكتب أحد، وفي رواياته وكتبه كتب عكس التيار، وكان يكتب ببراعة المخلصين لناسه ومكانه وزمنه، وعاش لا ينتظر شيئا من وراء إبداعه ووهب روحه تماما لإيمانه، رصد العالم من فوق كرسي في مقهى مقتنيات وسط البلد، رسم ابني عمرو الكفراوي الذي أحبه مكاوي ابنا وفنانا وأخرجا معا كتابا سيظل رؤية فريدة للهامش وأهله وأبدع ثورة يناير في عدد من الكتب تبقى في الذاكرة علامة وشهادة. أما الروائى أشرف العشماوى فقال: ”رحيل أستاذي الروائي مكاوي سعيد أشبه بصدمة، لا أجد كلمات تعبر عن عميق محبتي واحترامي وتقديري لهذا الكاتب الكبير الذي وقف إلى جانبي ودعمني في وقت تخلى عني فيه بعضهم. كتب عني أكثر من مرة وتشرفت بوضع كلمات له على أغلفة رواياتي كتبها خصيصا لهذا الغرض بمحبة خالصة ودون طلب مني. نظم وأدار لي ندوات آخرها عقب حفل توقيع روايتي الأخيرة منذ عام ونصف العام. آخر مرة رأيته كانت منذ أيام قليلة خلال ندوة أقيمت لي بمكتبة القاهرة وفي اليوم التالي اتصلت به أشكره على مواظبته الدائمة على الحضور، سألته عن كتابه الجديد قال لي سيدهشك فأنا أعلم حبك لكل ما هو قديم. سألته عن روايته التي يكتبها وقطع فيها شوطا فقال "حاسس إنها مش حتطلع قريبا مش عارف ليه يا عم أشرف"، يبدو أنه استشعر أن الرواية لن تتم، فحياته اكتملت قبل أن يتمها. هذا فلم تكف وسائل التواصل الاجتماعى عن نعي الروائى الراحل، الكاتب الروائي عمار علي حسن، كتب عنه "لن ألقاه بعد اليوم جالسا على مقهى البستان كواحد من أشهر علامات وسط القاهرة، وأكثر زبائن هذا المقهى الذي يرتاده المثقفون إخلاصا للمكان والناس، فالموت غيبه بغتة، ولم يمهله كي ينهي روايته الجديدة، التي قطع فيها شوطا لا بأس به، أو ينجز الفيلم التسجيلي الطويل الذي كان يحلم بأن يكون قادرا على المنافسة القوية في مهرجانات دولية، أو يتم قصص الأطفال التي كان يجهزها للنشر، أو يكمل ما بدأه من حكايات للجالسين، أو نظرات شاردة نحو العابرين، أو ابتسامات طيبة لكل الذين يقدمون عليه يحيونه ويصافحونه ويجالسونه، مستمتعين بحضوره الهادئ، وبساطته الآسرة، مع السلامة يا مكاوي، مع السلامة يا طيب، انتظرنا، سلنقاك هناك، لنكمل الحكايات". بينما الشاعر شعبان يوسف أوجز قائلا: "أصبح للموت مقعدا ثابتا في الحياة، لا يغادره إلا ليعود مرة أخرى أكثر شراسة، ليقطف أجمل أزهار البستان وأنضجها". (خدمة وكالة الصحافة العربية).
مشاركة :