أن تكون عربيا في الغرب وأدبك نتاج ثقافتين بقلم: عبدالله مكسور

  • 1/24/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

العراقي أسعد الهلالي جوائز أدبية عديدة، كانت أولاها حصوله على الجائزة الأولى لرابطة الأدباء الكويتيين في مسابقة للقصة القصيرة، وفي مسابقة مماثلة تبناها اِتحاد الأدباء والكتاب العراقيين حصل على الجائزة الثانية بينما حصل على الجائزة الأولى في مسابقة للقصة القصيرة أقامتها مجموعة “الثقافة هي الحل” في العراق، وعلى الجائزة الثانية في الرواية بمسابقة أقامها صالون نجيب في القاهرة بمصر. يؤكد ضيفنا أن أهمية هذه الجوائز تكمن في أنها تحافظ على الحافز الذي يحتاج إليه الكاتب لمواصلة الكتابة، ولكي يؤكد حضوره في الوسط الثقافي خاصة أن واقع اللجوء فرض شروطا أخرى لا قدرة للكاتب اللاجئ على تطويعها دونما خسارات، المشاركة في مثل هذه الفعاليات وسيلة يستطيع من خلالها الكاتب أن يقول إنني ما زلت حيا وأواصل الكتابة. كتابات المهاجركتابة السيناريو الدرامي والإخراج للتلفزيون يعتمدان الصورة كمعطى أول، ثم تدعم الكلمة ما على الشاشة أن تعرضه أسعد الهلالي كاتب روائي وسيناريست وكاتب دراما ومخرج سينمائي عراقي، نسأله هنا عن استخدامه لكل هذه التقنيات لإخراج قصة قصيرة؟ ليقول “إن كتابة السيناريو الدرامي والإخراج للتلفزيون يعتمدان الصورة كمعطى أول، ثم تدعم الكلمة ما على الشاشة أن تعرضه ليبدو جميلا ومؤثرا، وتعتمد القصة القصيرة على الكلمة، لكن قارئ اليوم لم يعد مهتما بقراءة تراص من الكلمات قد لا تختلف كثيرا عن كلمات قرأها في مكان وزمان مختلفين لكتاب آخرين”. لهذا يرى ضيفنا أن عليه ألا يفقد القارئ وهذا ما حتم عليه استثمار بصرياته في تشكيل النص السردي الذي غدا متخما بالصور، حتى أن بعض القصص عنده تبدو أفلاما كتبت بالكلمات”. حول مشروعه الحالي القائم على كتابة مجموعة قصصية عن مدينة لييج البلجيكية، وعن سبب اختياره لهذه المدينة الواقعة في الشرق البلجيكي فضاء جغرافياً ومكانياً للقصص، يقول ضيفنا إنه اِبن بغداد، مدينة التواريخ، وابن العراق أحد صانعي المسارات الحضارية والتاريخية في العالم القديم، لذا كان من الصعب عليه أن يتخلص من عشق متوارث يكاد يكون جينيا لكل ما هو متعلق بالتاريخ، وهذا بالضبط ما نتج عنه انجذاب لما تنبعث منه رائحة الماضي. وهكذا لم يجد الهلالي نفسه متصالحا مع المدن الحديثة بعماراتها الشاهقة وكتل الكونكريت الهائلة والزجاج الملون الذي يزيغ الأبصار، كان أول ما أثار انتباهه حين وصل إلى بلجيكا في منتصف عام 2014، وبالتحديد مدينة بروكسل، أنه لا يشعر بالميل إلى صخب المدن الحديثة، وما إن قضى بضعة أيام في مدينة لييج حتى شعر بأنها البقعة التي عليه أن يعيش فيها. يعتبر الهلالي أن لييج من المدن القليلة التي لم تتعرض للكثير من الضرر في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما زالت ملامحها القديمة واضحة، مدينة يسير على أرصفتها وافدون من أكثر من مئة جنسية والعديد من الإثنيات والأديان والطوائف، إنها كنز حكائي يدفع الكاتب إلى تجاوز محدودية الهم الذاتي أو المحلي إلى الاندماج مع الهم الإنساني العالمي. الحديث عن النصوص قادنا إلى سؤاله عن التقنيات التي يعتمدها في كتابة القصص عن فضاء غريب خاصة تلك التي تقترب من التقنيات الغربية في الكتابة؟ ليقول “إن تقنيات الكاتب تعتمد في إنجاز نصوصه على ما يحمله في جعبته من موضوعات ورؤى ومشاهدات بصرية ومشاعر متباينة وذاكرة لا تتعامل مع الأشياء حتى العادي منها بلا اهتمام، ذاكرة تختزن التفاصيل التي تظهر بالنتيجة في النص، وذاكرة الهلالي إضافة إلى مفردات التشكيل السردي الأخرى زاوجت بين أمكنة وأزمنة هي نتاج تنقلاته من بغداد إلى اليمن الذي عاش فيه عقداً كاملا ثم بلجيكا وتحديداً مدينة لييج التي غدت منطلقا لرحلات متواصلة إلى مدن أوروبية مختلفة شرقاً وغرباً، مدن اتسمت كل واحدة منها بسمات منحتها خصوصية لا بد أن تترك أثرها على مشاعر مرهفة أو قدرة خاصة على التقاط التفاصيل البصرية، وهذا يعني بالنتيجة أثرا لا بد أن يظهر بشكل أو بآخر على المنجز السردي”. السرد المتوازيذاكرة الهلالي إضافة إلى مفردات التشكيل السردي الأخرى زاوجت بين أمكنة وأزمنة هي نتاج تنقلاته من بغداد إلى اليمن الذي عاش فيه عقداً كاملا في الحديث عن الخطوط السردية المتوازية بين العربي والأوروبي، نسأل ضيفنا عن رؤيته لحالة التثاقف بين مُكوِّنَين اثنين عندما يتناول كاتب عربي مدينة أوروبية في فضاء قصصي، ليحيلنا الهلالي هنا إلى مجموعته القصصية “هذه ليست حقيبة” الصادرة بالعربية والفرنسية، والتي ضمت سبعة عشر نصاً سردياً لعدد مماثل من الكتاب العرب المقيمين في بلجيكا، يختار منها نصا حمل اسم “آشوري في لييج” للهلالي نفسه، حيث نجد أن ثمة صهرا إيجابيا للثقافة المحلية- العربية مع حد معقول من الثقافة الغربية. هذا الحد المعقول أو المجتزأ من الثقافة الغربية هو نتاج مشاهداته ومعايشته للمدن ومن فيها، ومما قرأه من نتاج في أغلبه مترجم إلى العربية، وهذا يعني بالضرورة أن الثقافة العربية ستكون حاضنا للوافد الأوروبي لكنه حاضن إيجابي لوافد سلس ومقبول، وهذه الإيجابية في التعاطي بين الثقافتين جعلتهما، كما يقول، تدفعان إلى نواتج مغرقة في إنسانيتها وتجاوزها للمحددات. الكتابة عن مدينة من خلال تناولها قصصياً ربما تضع الكاتب في حالة التأريخ لهذه المدينة، وهنا نسأل الهلالي عن محاولاته التأريخ لمدينة لييج من زاوية نظر عربية، ليقول إن الكاتب لا يعيش هامشيا في الحيز المكاني الذي يختاره كمستقر، سواء كان دائما أم مؤقتا، إنه يتفاعل مع المكان والشخوص بتنوعاتهما، وسيمتلك بالتالي وعيه الخاص بما يدور حوله، ويحدد مواقفه التي لن تكون حيادية، وهذا بحد ذاته إسهام في تشكيل تاريخ المدينة للفترة التي تحتوي فيها وجود الكاتب، وما دام كاتبا ذا مرجعيات عربية فستكون مرجعياته حاضرة في ما يفكر ويرى ويكتب، وسينعكس هذا على ما يكتبه. يعيش اليوم أسعد الهلالي ضمن حالة اللجوء في مدينة لييج، واللاجئ كما هو معروف يعيش ضمن ظروف معينة، نتطرق معه هنا إلى الحديث عن تأثير هذه الحالة على المزاجية الكتابية عنده، ليقول إن لجوء الكاتب إلى الغرب هربا مما يحدث في بلاده من سوء، يحمل في طياته عدة أوجه، يبدو أحدها مؤلما حين يكتشف الكاتب أنه مضطر إلى الابتعاد جغرافيا عن بقعة تشكل فيها كل جزء منه، ولد فيها وعاش صباه وشبابه، فيها أسرته وأقرباؤه ومعلمه الأول وحبيبته الأولى وأحلامه المبكرة، فيها قبور أجداده والشوارع التي شهدت خطواته في اكتشاف الذات والمكان، كما يبدو أحد هذه الوجوه تجسيدا للدهشة حين تتوالى الاكتشافات اليومية على أصعدة شتى، فالكتابة هنا تعتمد على ركائز متباينة، الألم، الدهشة، الخسارات، الحلم، بالإضافة إلى اليأس الذي يقترب من كل هذه الخلطة التي لا بد أن تتجانس بشكل ما.

مشاركة :