هل توجد علاقة بين مسار العملية السياسية في اليمن والسياسة الجغرافية الإقليمية؟!

  • 12/5/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن مسار العملية السياسية في اليمن قد أوجدت تساؤلات عديدة حول الأسباب الكامنة والظاهرة التي أدت إلى استمرار حالة التوتر السياسي بين مختلف أطراف الصراع أو النزاع، في ظل وجود مؤشرات ميدانية تؤكد أن هناك رؤية دولية وإقليمية تعمل على وضع المحددات الأساسية المعنية بتبيان السبب الجوهري الذي حدد مسار العملية السياسية بأن يتجه إلى الأوضاع الصحية والإنسانية والبيئية المتدهورة، والتي جعلت اليمن بمنأى عما يحصل أو يحدث في المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص الأزمة الخليجية الراهنة، التي تبلورت في الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب. ولكن اليمن في وضعها الراهن تواجه إرهاباً فكرياً من نوعٍ آخر يتمثل في الخطوات الاستباقية لأي مشاريع انفصالية ضمن سيناريوهات تقسيم المنطقة العربية في إطار ما يُسمى "حقل الهوية الثقافية"، في ضوء رؤى قابلة للتدويل. وهذا ما دفع الكثير من المهتمين بالشأن الدولي إلى أن يضعوا الشواهد والمتغيرات التي أدت إلى تلك الخطوات. فعلى الرغم من وجود دعم دولي وإقليمي من أجل الحفاظ على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه كما هو الحال في سوريا وليبيا والعراق، وقد يأتي في هذا السياق، لكونها معبّرة عن وضع إقليمي ودولي في غاية التعقيد. ومن المحتمل أنها سوف تلقي بظلالها على الملفات الشائكة التي يُمكن أن تكون ركائز الحوار السياسي، ومن ضمنها "ملف مكافحة الإرهاب". وهكذا نجد المجتمع الدولي قد يُساهم في وضع بعض التجارب والنماذج الدولية والإقليمية حول السياسات التي قد تُهدد السلام والاستقرار العالميين، إذا ما كانت تلك السياسات تتبنى قضايا مزدوجة المعايير ضمن أطروحات ثنائية قد تتفق مع جهود تدعيم قوى العملية الديمقراطية وحكم القانون، وفي ذات الوقت قد تعمل على غض الطرف عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان، وتلك الثنائية قد يتم استخدامها "كورقة للمساومة أو الابتزاز" باسم المحافظة على النظرية التقليدية لسيادة الدولة؛ لكونها قد تحمل خليطاً معقداً ذا "نكهة براغماتية" من الأسباب الإنسانية والأيديولوجية والمصالح الذاتية في تدخلات ضمنية للاهتمامات الدولية المشروعة، وبالتالي، فإنها لا تُشكل مسألة داخلية حصرياً عند الدولة المعنية. وبذلك فإن منهجية ما يُسمى "بمشروع الشرق الأوسط الكبير" عبر السياقات التشاورية والتفاوضية والجهود الدبلوماسية تسعى إلى تقديم نماذج متعددة، والتي يمكن أن توجد استراتيجية "أفضل الممارسات" بالتحديد في كل سياق تسعى من خلاله المنظمات الدولية إلى التأثير في السياسات المحلية، من تعليم ورعاية صحية إلى الإصلاحات البيئية والمالية؛ حيث سبقت تلك السياقات منذ 2005م (إعلان السيدة كوندوليزا رايس) -أي منذ ما يُقارب خمسة عشر عاماً- تياراً مستمراً ومتصلاً من ورش العمل وجلسات التدريب الدولية والإقليمية، وحدد مسارات ذلك التيار من خلال ثلاثة اتجاهات تتمثل في الآتي: • الاتجاه الأول: يتمثل في إثارة الاضطرابات والصراع العنيف، وإثارة الظواهر الاجتماعية المسببة للنزاع والاختلاف، وتبنّي قضايا تبرز / تبرر معاناة الأقليات الدينية والثقافية والاجتماعية، التي تعاني من تصنيفات الاستبعاد السياسي والفقر أو الضعف الثقافي، والتي يُنظر لها في بعض الأوساط السياسية على أنها ترتكز على البيئة الثقافية أو الدينية (1) التي تُولد "التطرف"، مما قد تُشكل أو تُمثل مصدراً للحرب الأهلية أو النزاعات المسلحة أو حركات التمرد أو الإرهاب. وعمل هذا الاتجاه على توفير أو تهيئة المظاهر المؤدية إلى ذلك من حمل سلاح، وتشجيع محاولات السعي إلى قلب نظام الدولة / الحكم، وتكوين ميليشيات غير نظامية، والتي على المدى القريب يُمكن التركيز عليها واعتبارها من القضايا المُلحة للمراقبة الدولية. • الاتجاه الثاني: الإسهام في وضع معايير يمكن على المدى الطويل الاعتراف بها في إطار منهجيات مبنية على "حقائق الاستيطان التاريخي" أو "التمركز الإقليمي" تدور حول مطالب متنافسة، وغالباً ما تعبر تلك المطالب عن النزاعات الضاغطة في دول الشرق الأوسط خلال مراحل متعددة. ومن المحتمل أن يكون من أبرزها: سياسات وبرامج الإدارة المحلية، وتمويل مدارس وجامعات أهلية وخاصة، وأجهزة الإعلام، وامتداد الحكم الذاتي المحلي أو الإقليمي. وهذا الاحتمال قد يكون من نتائجه إثارة تزييف القواعد الانتخابية، والحدود الدستورية، وتفكيك المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإيجاد نماذج جديدة للعمل الدبلوماسي التي قد تعمل على مواجهة دعاوى ما يُسمى "الحق في تقرير المصير".. في مقابل، وضع مصلحة القوى السلطوية من أجل الدمقرطة والتحرر من خلال ميكافيلية معنية بتقويض المساندة الشعبية لهذه العملية، وتعمل على تطوير البناء المؤسسي للهيئات الأمنية والعسكرية، وإدارة الموارد وفق تقاليد ومعايير دولية. • الاتجاه الثالث: الذي يُمثله المجتمع الدولي بكافة هيئاته ومنظماته الدولية والإقليمية، التي قد تجعل أفكار الاتجاهين السابقين وتوجهاتهما ضمن الإطار -الأفكار التي يجري تداولها على نطاق واسع من خلال المنظمات الدولية، وشبكات عمل سياسة عالمية، والتي قد تُخاطب الاحتياجات والتحديات ذات الصلة بالمنظومة التربوية والتعليمية من حيث الفلسفة التربوية والمناهج والقيم، ودراسة جدوى إجراءات توظيفها بما يُسمى (2) "سلاحاً ضد الطغيان الفكري".. من خلال البحث في "الثغرات" التي قد تؤدي إلى مشروعية فرض العقوبات الدولية من المنظور الأممي / مجلس الأمن الدولي / الأمم المتحدة. وعلى ضوء ما سبق، تعمل تلك الاتجاهات في جميع المسارات الموجهة الممكنة في وقت واحد، وتؤسس لخطاب دولي يُظهر الخصائص المشتركة بين تلك الاتجاهات، ويضع لها التبريرات الأخلاقية، ويجعلها ضمن القضايا التي ينبغي أن توضع في الاعتبار، والتي حددها بأن تمثل الموجّهات الضمنية لثورات الربيع العربي، وما سينجم عنها من مآلات، والتي قد تكون ضمن الأسباب التي أدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية، وفي عدد من الدول، ومنها اليمن وسوريا ومصر والسودان والعراق والبحرين، ولبنان، والتي كانت ولا تزال مخاوف تتعلق العنف داخل الدولة، بل أيضاً بآثار قد تمتد لتزعزع المنطقة بأسرها، إذا ما تم اللعب بالورقة الطائفية أو المذهبية أو القومية أو العرقية بطريقة غير مألوفة للبحث عن لاعبين محتملين أو بيادق في السياسة الجغرافية الإقليمية. ما دفعني لكتابة هذه التدوينة أو هذا المقال هو أثناء متابعتي لجلسة مجلس الأمن الدولي بشأن "الوضع في اليمن" يوليو/تموز 2017م، والتساؤل الذي أثاره ممثل دولة بوليفيا في المجلس حول أهمية تحديد الأسباب التي أدت إلى النزاع في اليمن، والتي أعتقد بأن هذا التساؤل قد يلقى إجابة له على شكل أسباب ونتائج متداخلة في صيغة اتجاهات متعددة، وألقت تفسيرات (3) هذه الاتجاهات بظلالها على سياسات الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب. إذا وقع التحول من "الجيوستراتيجي إلى الجيوثقافي"، وأدت إلى الوضع الراهن في اليمن، وغيره من دول العالم العربي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يضع هابرماس رؤيته للمجتمعات ما بعد العلمانية في ضوء الحداثة نفسها، إلّا أنه يبتكر صيغة جديدة لمجتمعات أكثر مرونة في التعاطي مع الديني، وذلك بعد أفول وهم الحداثة المبشّر باختفاء الديني، بجوار انقراض التصور القائل بلاعقلانيّة الدين وعقلانيّة العلمانية. إن المجتمعات ما بعد العلمانيّة هي المجتمعات القادرة على التخلّص من الأزمة الحداثية بفتْح المجال العام لكلّ الأفراد للدخول في نقاش يخصّ الجميع. لا يتوقف الأمر بمجرّد فتح المجال العام، بله والاعتراف بالأفراد المتدينين كنسيج موجود في المجتمع ولا يمكن هدره. فالمجتمع ما بعد العلماني مجتمع متغيّر ودائم الحوار، وليس ذا صبغة أيديولوجية واحدة، بل من خلال التواصل تتجدد مضامينه القِيمية. المجتمع ما بعد العلماني هو مجتمع الحجّة الأكثر صحّة؛ أي مَن يقدّم حجّة أقوى على نقاش عمومي مُثار، فإنّه يكون صاحب المزية المعيارية سياسياً. إنّ الفضاء العمومي هو فضاء حُجج، ويأتي الجميع إليه حاملاً حججه، مع الاتفاق الضمني والمسبق على أنّ هناك مسائلَ لا يمكن أن نتفق عليها جميعاً. لكن علينا التأكيد على أمر هام: إن المجتمعات ما بعد العلمانية التي يدعو إليها هابرماس، ليست هي المجتمعات غير العلمانيّة، بل إن هابرماس يحافظ على التقليد العلماني، ولكنّه يبتغي من المجتمعات ما بعد العلمانية القيام بفتح المجال العام وانسحاب الدولة لثكناتها التي تُعنى بحفظ الحقوق والحرية. إن المجال العام هو ملْك للمجتمع وليس ملكاً للدولة، فالدياني والعلماني يجلسان في هذا المجال متناقشيْن دون أيّ تدخّل من الدولة رمزياً أو سلطوياً. وأيضاً، علينا التأكيد على أنّ هابرماس يرى علمانيّة هذا المجال العام المسبقة، ولهذا اقترح الترجمة الدلاليّة للمضامين الدينية بداخله. بيد أن هذا الموقف الهابرماسي من الدين، واقتراحه لتلسين المقدس، يمكن فهمه في ضوء تفريق هابرماس بين الدين والمعرفة، فالدين عند خروجه للمجال العام عليه أن يصير معرفةً عقلانيّة، وذلك من خلال المضامين والأدلّة العقلانيّة التي يصدرها أتباعه، الديانيون. إلّا أنه "بالرغم من كونه مفكّراً رئيسياً في حقل التمييز بين الدين/ العقل المعرفي، فإنّه -بكل تأكيد- لا يشارك في الشكّ السياسي في الدين الذي غالباً ما يُلازم هذ الموقف"، كما يؤكّد تشارلز تايلور. (2) تعمل الفلسفة النسوية / النسبوية على فضح ومقاومة كل هياكل الهيمنة وأشكال الظلم والقهر والقمع، وتفكيك النماذج والممارسات الاستبدادية، وإعادة الاعتبار للآخر المهمش والمقهور، وصياغة الهوية وجوهرية الاختلاف، والبحث عن عملية من التطور والارتقاء المتناغم، تقلب ما هو مألوف وتؤدي إلى الأكثر توازناً وعدلاً. (3) لعلّ النقد الأسوأ للديمقراطيّة هو النّقد اليمينيّ الذي يستند إلى أفلاطون في فكرته القائلة: إنّ الديمقراطيّة تساوي الكفء باللاكفء، وأنّها، دون ثرثرة، تمكّن من استبداد حكم الغوغاء. لا شكّ أن الاستبعاد خصيصة أساسيّة في الديمقراطيّات الغربيّة من اليونان إلى اليوم. في عهد أفلاطون، كان المستبعدون هم النساء (وكنّ ممنوعات من التصويت حتى القرن الماضي في الولايات المتحدة) والعبيد. واليوم، الاستبعاد كليانيّ، بحيث يشمل الأجنبيّ الذي هو مسلم مرّة، وأسود أخرى، ودخيل مخرب مرات. لكنّ المثاليّة التي ينشدها اليمين مدعومين بحجج أفلاطونيّة ذكوريّة واستبعاديّة خطيرة. أنت تواجه أقواماً، إذا كنتَ غربياً، لا يرون فيك أهليّة لأن تتصرف سياسيّاً. لستَ كفئاً ببساطة، ولهذا تُستبْعَد. إنّه الالتحام بين الفوقانيّة اليمينيّة وتقديم رؤى طبيعيّة عن البشر باعتبار التراتبيّة لا مفرّ منها. ولذا، اليمين لا يكون إلّا بدولة. إذا تخيّل ماركس ذات يوم أن تزول الدولة، فكان ذلك عندما تعمل الدولة عملها بتسيير أدوات الإنتاج وتمكين "رعاع" أفلاطون. أي أنّ التجاوز الماركسيّ للدولة يكون بواسطتها، لا من خارجها (هنا الديالكتيك كما هو معلوم). لكنّ ثمّة فرقاً بينهما دائماً ما لا يفهمه اليمين، إنّه ببساطة في كون الماركسيّة تعيد الإنتاج والثروة للنّاس عبر الشيوعيّة، ومشاعيّة العالم الماديّ. أمّا اليمين، فلا يتخيّل عالماً يحكمه فيه أسود؛ لأنّه استجنابيّ وفوبيائيّ من المسلمين؛ لذا كان أوباما سيئ الذكر، الذي لا يقلّ إمبرياليّة عن سابقيه، بل هو يفوقهم بالأدلّة، "غلطة" صححها العالم الأميركي بمجيء ترامب. ولذلك عند ذكر أوباما، فقد أشار الدكتور العزيز جوزيف مسعد إلى "أنّ أوباما هو أسوأ شيء حصل للسود في أميركا". دائماً الديمقراطيّة إشكاليّة، ولدى المرء مشاكل عدّة معها، لكن الرؤية اليمينيّة التي تحاول تصوير الماركسيّة بالفاشيّة هي أسوأ ما يكون. لكن هذا يرجعنا لشيء آخر، وهو أن الديمقراطيّة الآن بما هي مكرّسة لا تقبل سوى أشكال محددة غربيّاً لها - وما تشافيز عنّا ببعيد. ـــــــــــــــــــــــ * للتأمل: - "كل الفرسان من حولها يمتطون جياداً خشبية. هذا ما اكتشفته متأخرة"، أحلام مستغانمي (من رواية الأسود يليق بك). - ‏من يستند على امرأة تُحبّه لا يسقط أبداً. - إنني ألمح آثار أقدام على قلبي - محمد الماغوط. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :