الهوية الشخصية عرضة للتغيير والتغيّر بقلم: نهى الصراف

  • 12/6/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مفهومنا الذاتي عن أنفسنا من خلال تجارب الطفولة هذه؛ فالأحداث الإيجابية التي تتضمن تلقي حب ورعاية كافيين من الأهل، من شأنهما أن يكونا مفهوما ذاتيا إيجابيا، فيما تؤثر التجارب المؤلمة سلباً الأمر الذي يكوّن ما يدعي باصطلاح “معاداة الذات”، ويعرّفه متخصصون بأنه جزء من ذواتنا الذي يتحول إلى عدوّنا، أما اللغة التي يستخدمها هذا الجزء فتسمى صوتنا الداخلي الناقد، حيث يصبح مسؤولاً عن إصدار الأحكام الذاتية ويشجعنا، على الانخراط في سلوك يحدّ من قدراتنا، يخرّب أهدافنا ويدمرنا ذاتياً. بالطبع، لا يتشكل إحساسنا بالهوية من خلال هذا النوع من الصراعات الداخلية فقط التي قد يتسبب فيها أقرب الناس إلينا، ولكنها قد تكون نتاج دفاعاتنا الذاتية التي نتبناها للتعامل مع الألم النفسي والتخلص من الضيق الذي تسببه لنا هذه الصراعات.عندما يعاني الآباء من تجربة ما أو يشعرون بالسوء بسبب عقدة نفسية يعكسون صورة الماضي على وجوه أبنائهم هناك عوامل عدة تسهم في تشويه مفهومنا عن ذاتنا وإحساسنا الحقيقي بها أهمها، التعريفات والتسميات المباشرة التي يطلقها الوالدان على الطفل فيصفان سلوكا مؤقتا أو عرضيا مثلاً باعتباره سمة ملازمة له؛ فالأب الذي لا يطيق صراخ طفله المزعج قد يصفه بأنه طفل متطلب صعب الإرضاء أو عنيد، في حين يمكن أن يكون سلوكاً عفوياً. أما العامل الآخر الذي من المرجح أن يكون أكثر تأثيراً وثباتاً في تشكل الإحساس بالهوية، فيتمثل في التعريف أو الوصف الذي يسحبه الطفل على شخصيته بسبب وقوعه تحت ضغط تجربة عاطفية مؤلمة والطريقة التي عامله الآخرون بها؛ فالآباء الذين يشعرون بالقلق المستمر من احتمال معاناة أطفالهم من مخاوف غير ملموسة وعدم شعورهم بالأمان، قد يمررون مشاعرهم هذه إلى أبنائهم فيظهرون أطفالهم وكأنهم أشخاص عاجزون، خجولون أو غير قادرين على مواجهة العالم من حولهم، في تهويل واضح للحقيقة التي قد تكون على العكس من ذلك. في الوقت الذي يحاول فيه الصغار النظر إلى انعكاس صورتهم في عيون آبائهم، فلا يجدون سوى تأنيب صامت ومرارة مستترة قد تلوّح لتجربة الماضي البعيد. عندما يعاني الآباء من تجربة ما أو يشعرون بالسوء من أنفسهم بسبب عقدة نفسية لم تشف بعد، مصدرها تجاربهم هم في ماضي طفولتهم البعيدة، ربما يعكسون صورة الماضي هذا على وجوه أبنائهم ويتقمصون أدوارهم فيكون الطفل في نظرهم هو الشخص الذي يعاني، وكأنه صورة مصغرة عنهم. يحدث هذا بصورة لا واعية في الغالب، لكنه يمثل إسقاطاً سلبياً يتم تمريره إلى الطفل ليتحصّل على هوية ذات غير حقيقية ولا تعود له بالأساس؛ فالأب الذي لا يهتم بتعبير الغضب في عينيه عندما يقابل طفله في الصباح وهو في طريقه إلى المدرسة، والأم التي تتحرك بخوف وتعب وقلق لتلبية احتياجات طفلها بسرعة خوفاً عليه من تعكّر مزاجه، لا يدركان بالتأكيد مدى تأثر الطفل عاطفياً بسلوكهما غير المبرر، الطفل الذي يلتقط الرسائل بسرعة ويترجمها على تعبيرات ملامح والديه فتكون النتيجة صورة ذاتية مغايرة تماماً للواقع، ليبدأ معها حديثه المزعج لنفسه؛ “ما الذي يحدث معي؟ بالتأكيد أنا شخص سيء ومخيف”. بهذه الشاكلة، يطور الطفل إحساساً زائفاً بهويته، حين تلصق به صفات غير حقيقية بسبب وجوده في بيئة اجتماعية معينة ووقوعه تحت تأثير مناخ عاطفي مشبع برغبات أبوين، يحاولان تكوين ملامح شخصيته من زاوية ضيقة تعتمد على حوادث وقتية، ثم اعتماداً على طريقة رؤيتهم للأشياء ورغباتهم أيضاً. في النتيجة، يكتسب الطفل ما يسميه متخصصون بالـ”الهوية العرضية”. تؤكد ليزا فريستون على أن الأشخاص الذين عوملوا بإهمال من قبل أمهاتهم، مثلاً، في طفولتهم يتصفون بسمات معينة تصاحب شخصياتهم حتى الكبر، سمات عرضية غير حقيقية، تعمل كرد فعل لشعور بالإحباط وخيبة الأمل تسبب بها سلوك الأم غير المسؤول، حيث تورد ليزا حكاية شاب كان يخاف من التعرف إلى أي امرأة بسبب خجله الواضح وعدم ثقته بنفسه، وحين تحدث عن تجارب طفولته تبين بأن والدته كانت سيدة عاملة واعتادت أن تعود مرهقة من العمل يومياً، فيركض الطفل باتجاهها رغبة في احتضانها بعد ساعات غياب طويلة لكنها تصده في العادة متعللة بالتعب والرغبة في البقاء لوحدها! نشأ هذا الطفل خجولاً متوجساً من النساء تحديداً، خوفاً من أن يعاملنه بنفس الجفاء. الخروج من إطار الهويات القديمة المزيفة، ليس بالأمر الهيّن، أن نجد طريقنا الحقيقي في محاولة لكسر جدار الوهم وتخطيه من دون أي خسائر. إنه أمر مخيف ويحتاج إلى شجاعة، لكن علينا أن نتولى بناء هوياتنا كما نراها نحن لا كما تقررها الظروف.

مشاركة :