كانت الصورة مساء أول من أمس (الاثنين)، مُبهرة داخل «رويال ألبرت هول» وخارجه؛ سيارات فارهة كانت تتوقف عند المدخل كل دقيقة تقريباً لتنزل منها نجمة، من سيلينا غوميز إلى المغنية ريتا أورا، وهلمّ جرا من الأسماء العالمية. تبتسم كل واحدة للباباراتزي ثم تقف أمام المصورين لتتيح لهم التقاط صورتها وهي في كامل أناقتها عن طواعية، لأنها تعرف أن جزءاً من حضورها أن تلعب دورها على أحسن وجه. داخل المبنى لم تتغير الصورة، بل زادتها دموع الفرح درامية. المصمم الشاب جيفري آشلي مثلا أجهش بالبكاء وهو يتسلم جائزة أفضل مصمم صاعد من جون غاليانو قائلاً: إنه «لم يكن يتصور في يوم من الأيام أن يتسلم جائزة من قُدوته ومثله الأعلى». حتى أنا وينتور، رئيسة مجلة «فوغ» الأميركية التي تُعرف في أوساط الموضة بالمرأة الحديدية، غُصت وهي تودِّع بصوت مبحوح صديقها المصمم كريستوفر بايلي، الذي أعلن أنه سيترك دار «بيربري» بعد 17 عاماً متمنيةً له السعادة وفرصة جديدة تليق به. كما بكت مجموعة من العارضات وهن يتذكرن المصمم التونسي عز الدين علايا الذي غيّبه الموت في الشهر الماضي، وكان بمثابة الأب الروحي لهن. كانت لفتة إنسانية تذكرن فيها علايا المصمم الفنان والإنسان الكريم في الوقت ذاته. لكن وراء هذه الصورة البراقة والفرح بالإنجازات، لا يمكن أن ننسى أن التحضيرات التي تجري وراء الكواليس لعدة أشهر. تبدأ بترشيح مئات الأسماء العالمية للفوز، قبل أن تتم عملية غربلتها للوصول إلى لائحة نهائية تضم الأسماء التي يتم اختيارها في الليلة المعلومة. وكعادتها فإن مجلس الأزياء البريطاني لا يؤمن بالمحلية، بل يستقبل الكل بالأحضان، الأمر الذي ينعكس على الأسماء الفائزة. الفائز مثلاً بجائزة رجل الأعمال هو ماركو بيزاري، الرئيس التنفيذي لدار «غوتشي»، علماً بأنه فاز بها العام الماضي أيضاً. أمر لا نستغربه بالنظر إلى ما تُحققه الدار الإيطالية من نجاحات فنية وتجارية على حد سواء. فرغم أن عالم المنتجات المترفة يعاني من وعكة صحية في السنوات الأخيرة، فإن عدواها لم تصل إلى «غوتشي». مصممة دار «ديور» ماريا غراتزيا كيوري، أيضاً فازت بجائزة المصممة التي تُحقق تغييرات إيجابية في عالم الموضة. فمنذ دخولها دار «ديور» كأول مصممة فنية وهي تقوم بحركة نسوية واضحة من خلال التصاميم والرسائل التي تكتبها على الـ«تي - شيرتات». التوقيت كان في صالحها بالنظر إلى انتفاضة هوليوود مؤخراً ضد التحرش الجنسي واستغلال المناصب وما شابه. بالنسبة إلى ماريا غراتزيا فإن «الحركة النسوية كانت دائماً جزءاً من جيناتي» حسب قولها، وكل ما في الأمر أنها وضحت أكثر بفضل اسم «ديور» وقوة تأثيرها على المستوى العالمي. وتعتبر هذه ثاني مرة تقدم فيها المنظمة هذه الجائزة. في العام الماضي كانت من نصيب الراحلة فرانكا سوزاني، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الإيطالية في العام الماضي. أهم شرط لاختيار الفائز بهذه الجائزة أن تكون له مواقف واضحة من قضايا المرأة وقدرة على إلهام فتيات من كل أنحاء العالم ومنحهن الثقة بالنفس. دوناتيلا فيرساتشي بدورها تسلمت جائزة «أيقونة الموضة»، من العارضة ناعومي كامبل، «صديقة عُمرها» كما قالت عنها. هذه الأخيرة تغنت بإنجازات المصممة التي احتفلت هذا العام بمرور 20 عاماً على تسلمها مقاليد «فيرساتشي» بعد مصرع أخيها جياني. أكبر دليل على نجاحها أن عرضها الأخير كان الأهم في أسبوع ميلانو بفضل الصورة الأيقونية التي جمعت فيها عارضات سوبر في لقطة واحدة تحولت إلى صورة العام بالنسبة إلى عشاق الموضة. أما جائزة أحسن عارضة أزياء فكانت من نصيب أدوا أبوا، التي قالت إن حياتها كانت مختلفة تماماً منذ بضع سنوات، لكن بفضل التغيرات التي تشهدها الموضة هذا العام، وعلى رأسها الاحتفال بالتنوع العرقي، فإنها تعيش عصراً ذهبياً. ستيلا ماكرتني أيضاً تسلمت جائزة عن الابتكار والتطوير في مجال المواد التي تستخدمها في تصاميمها، بينما فازت فنانة الماكياج بات ماغراث بجائزة إيزابيلا بلو، ومايكل هالبرن بلقب أحسن مصمم صاعد للأزياء النسائية. أما جائزة مصمم العام فكانت من نصيب راف سيمونز كمصمم لدار «كالفن كلاين»، بينما كانت جائزة أفضل مصمم إكسسوارات من نصيب جوناثان سوندرز، مصمم دار «لويفي» الإسبانية. بيد أن أهمية الحفل لا تكمن في عنصر الإبهار والجمال، ولا في عدد النجوم العالميين الذين يحضرونه فحسب، بل أيضاً في دوره كداعم للتعليم. فريع الحفل كله يذهب إلى مؤسسة التعليم التابعة لمجلس الموضة البريطانية لدعم المواهب الواعدة التي قد لا تكون لها الإمكانيات الكافية لإكمال دراستها العليا في أحسن المعاهد والجامعات البريطانية المتخصصة. كارولاين تشارلز، رئيسة مجلس الموضة أكدت مراراً أنه من الظلم أن لا يكمل البعض دراستهم فقط لأنهم لا يمتلكون الإمكانيات المادية «فهؤلاء مصممو المستقبل، وإذا لم ندعمهم فقدنا مهارات ومواهب مهمة». من هذا المنظور، أنشأ المجلس صندوقاً هدفه تمويل كل من توسمت فيهم الموهبة للحصول على شهادة الماجستير فضلاً عن تدريبهم لاكتساب مهارات وخبرات في أرض الواقع. وما لا يختلف عليه اثنان أن الصندوق انتعش واكتنز في السنوات الأخيرة بفضل دخول شركة «سواروفسكي» لأحجار الكريستال على الخط. فهي وحدها توفر له ما يقرب من 300 ألف جنيه إسترليني تضاف إليها تمويلات أخرى من شركات كبيرة أو أشخاص يعشقون الموضة أو يعملون فيها، من أمثال شارلوت أوليمبيا، ودار «كوتش» الأميركية، وناتالي ماسيني، وإيشا بارتي، و«مالبوري»، و«ماركس أند سبنسر»، و«إيرديم». غنيّ عن القول إن الحكومة البريطانية تقف أيضاً وراء البرنامج التعليمي بكل قوتها. فهي تعرف جيداً أن صناعة الموضة في أهمية صناعة السيارات إن لم تكن أهم، كونها تُشغّل ما لا يقل عن 880 ألف شخص، وتدرّ على الاقتصاد البريطاني نحو 28 مليار جنيه إسترليني. ثم لا يمكننا أن ننسى أن لندن، ورغم كل المطبات التي شهدتها صناعة الموضة في كل أنحاء العالم ورغم الحملة التي يشنها اليمين على سياسة الهجرة، لا تزال أكثر من يفتح المجال للمصممين الصاعدين من كل الجنسيات والثقافات. فلا هذه ولا تلك تهمها ما داموا يمتلكون الموهبة والرغبة في التفرد والتميز.
مشاركة :