يعد مقتل علي عبدالله صالح محطة بارزة في سياق تدخل إيران في العالم العربي. وفي حين أنه قد يفتح المجال أمام قيادة جديدة يمكن التحالف العربي العمل معها من أجل وضع حد للنزاع في اليمن، فإنه يدق ناقوس الخطر بالنسبة إلى مستقبل سورية. قدم علي عبدالله صالح حالة معقدة كزعيم يغير تحالفاته السياسية باستمرار. عندما كان صالح رئيساً لليمن، قدم نفسه كحليف للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم «القاعدة». ولم يقتصر ذلك على سماحه للطائرات الأميركية بدون طيار بمهاجمة أهداف للتنظيم داخل اليمن، بل استخدم وجود «القاعدة» داخل اليمن للحصول على الموارد والدعم من الولايات المتحدة على أساس الحاجة إليها من أجل القتال ضد تنظيم «القاعدة». لكنه أيضاً استغل تلك الموارد لحشد الدعم لنفسه على المستوى القبلي. غضت الولايات المتحدة الطرف عن تجاوزاته لأنها رأت فيه شخصية سياسية محنكة وموالية في بيئة صعبة. في الوقت ذاته، حاول الحوثيون تحدي قيادة صالح، مما قاده إلى الاشتباك معهم. عندما اندلعت الثورة في اليمن في عام 2011، أعطي صالح مخرجاً من الأزمة جنّبه مصير معمر القذافي. وجاءت مبادرة مجلس التعاون الخليجي لتمنح صالح الأمان في مقابل تسليمه السلطة إلى نائبه آنذاك عبد ربه منصور هادي. ولكن صالح لم يكن راضياً عن هذا الترتيب، وانقلب ضد مضيفيه السعوديين بالعودة إلى اليمن في محاولة لاستعادة السلطة. وبذلك غير تماماً موقفه من أعدائه السابقين، وضم قواته إلى الحوثيين ضد الحكومة اليمنية ودخل تحالفاً براغماتياً مع تنظيم «القاعدة». ولكن لا الحوثيون ولا القاعدة كانوا على ثقة بعلي صالح. واعتبر كل منهما الرئيس السابق أداة لزيادة نفوذهما وقناة لاكتساب الأسلحة والموارد. وصالح أيضاً اعتبر تحالفه معهما مجرد إجراء مناسب لتحقيق طموحاته. ولذا بدأت الشقوق في الظهور في علاقته مع الطرفين، فهدده تنظيم «القاعدة» في عام 2015 بكسر الشراكة معه. وعندما أعلن علي صالح في 2 كانون الأول (ديسمبر) الحالي انقلابه على الحوثيين، اتخذوا قرارهم بقتله، واحتفلوا بوفاته على أنها وفاة خائن. يرى العديد من المحللين في مقتل صالح عقبة محتملة أمام إيجاد حل للصراع في اليمن. تستند وجهة النظر هذه إلى أن صالح كان لاعباً سياسياً ماهراً تمكن من توجيه تحالف قبائل حاشد في أي اتجاه يريد. أولئك الذين يرون في وفاته إضافة إلى تحديات الصراع اليمني يعتبرون أنه كان يمكن أن يكون محاوراً رئيسياً للتفاوض على حل للحرب الأهلية اليمنية. ومع ذلك، فإن تقلب موقف صالح على مدى السنوات السبع الماضية، من المواجهة مع الحوثيين إلى موالاتهم، ومن موالاة السعودية إلى تحديها ثم أخيراً إلى إعلان استعداده للعمل مع السعودية ضد الحوثيين، ومن مناهضة تنظيم «القاعدة» إلى التحالف معه إلى التراجع عن التحالف، كل هذا أضاف تراكمات سياسية مقلقة عديدة. وبما أن مقتل صالح كان على أيدي الحوثيين، فإن القبائل التي كانت تجمعت حوله لن تدخل تحالفاً آخر معهم. وبالتالي فإن غيابه يفتح المجال أمام قيادة جديدة يمكن السعودية وحلفائها العمل معها من أجل وضع حد للنزاع في اليمن. من المرجح أن ترى إيران في قتل صالح فرصة لاستعراض نفوذ الحوثيين. فهم يؤكدون من خلال قتله أنهم الفاعل الرئيسي في الصراع ضد الحكومة اليمنية والتحالف العربي. كما أن غياب علي صالح سيعزز التحالف البراغماتي بين إيران وتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». لكن تصلب موقف الحوثيين وموقف إيران لا يمكن إلا أن يمهد الطريق لموقف سعودي أشد صرامة تجاه إيران، بينما فقد الحوثيون جزءاً من قدراتهم بعد انشقاق صالح عن تحالفه معهم. وبعيداً من السياق اليمني، من المرجح أن تستفيد إيران من قتل صالح لتعزيز أهدافها في سورية. ستستخدم إيران قصته كدرس لتحذير بشار الأسد من الثقة في الغرب الذي كان قد تقبل في البداية صالح كشريك، ثم سمح بإقصائه في أعقاب ثورة عام 2011. كما ستستخدم إيران قتل صالح كتحذير للذين يجرؤون على التخلي عنها أنهم سيواجهون المصير نفسه. في هذا السياق، وعلى الرغم من أن لدى الأزمتين اليمنية والسورية ديناميكيات مختلفة جداً، فإن قصة علي صالح لا تزال توفر حكاية تحذيرية من شقين لمستقبل سورية. أولاً، هي تسلط الضوء على التعاون العملي بين تنظيم «القاعدة» وإيران. في سورية، أكبر تحد لإيران ليس تنظيم «القاعدة» ولكن الفصائل المرتبطة بـ «الجيش السوري الحر». وتنظيم «القاعدة» نفسه عملي أيضاً، ومستعد للمشاركة مع جهات فاعلة محلية وإقليمية ملائمة للحفاظ على سلطته. وعلى الرغم من أن «جبهة فتح الشام» التابعة لتنظيم «القاعدة» في سورية حافظت حتى الآن على موقفها المناهض للنظام، إلا أن هذا الموقف قد لا يدوم إذا قررت إيران الانتقال إلى تمكين الجبهة ضد «الجيش السوري الحر»، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ففي أيلول (سبتمبر) الماضي ادعت مجموعة نور الدين زنكي التابعة سابقاً لهيئة تحرير الشام أن هناك صفقات تمت بين زعيم جبهة فتح الشام محمد الجولاني وإيران. ثانياً، من غير المرجح أن يكسر الأسد تحالفه مع إيران بعد أن شاهد مصير علي صالح. وهذا يجعل احتمالات إعادة تأهيل الأسد، التي تستشهد بها أحياناً بعض الجهات الفاعلة الدولية كتدبير موقت مقبول للتحول السياسي في سورية، أو انفصاله عن إيران، غير واقعية. فزوال صالح من الصورة يسلط الضوء على أهمية الاستفادة من الفرص المتاحة للتعامل مع حلفاء جدد. وفي حين أن مقتل صالح قد لا يكون سيئاً بالمطلق بالنسبة إلى اليمن، فإن استغلال إيران قتله في النزاع السوري في غضون استمرار دورها ونفوذها، يؤكد الحاجة الملحة للتصدي لتدخلها في البلاد العربية. * كاتبة لبنانية ورئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس - لندن
مشاركة :