الوطن بين الرومانسية والواقعية

  • 9/23/2014
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

الكل يتغنى بالوطن في يومه، ويسهب في مدحه، وعرض تاريخه، ومسؤولية المواطنين تجاهه، وتقام الاحتفالات، وتنمق القصائد، وتلقى الأشعار والأهازيج في هذه المناسبة، وهي أمور كلها بهيجة وجيدة، لكنها بعيدة كل البعد عما هو مفروض أن يكون في يوم وطننا. هذه الرومانسيات الجميلة في ذكرى اليوم الوطني، لا تلبث أن تنسى وتطوى بعده مباشرة ونعود لممارسة كل أشكال الهمجية والتعسف، ونضرب بكل متطلبات الوطن وشروط المواطنة عرض الحائط. نشيد بوحدة الوطن والتجربة المتميزة في توحيد الجزيرة المترامية الأطرف، ولكننا نعمق الخلافات كل يوم بين مختلف مكونات هذا الوطن من خلال ما نكتبه ونتداوله ونثيره، ومن خلال تمييزنا بين أفراده وفئاته على أساس اللون والمذهب والمنطقة والقبيلة. نردِّد أن شعارنا ومنهجنا الإسلام، الذي هو مصدر عزتنا، ولكن ما يمارسه البعض من تطبيقات لتعاليم الإسلام هي بعيدة كل البعد عن التسامح والأخلاق الفاضلة والدعوة بالتي هي أحسن، ويبدو وكأن وطننا أصبح مصدراً للعنف والإرهاب. نتغنى بالوطن في هذه المناسبة، لكن كثيراً منا تسيطر عليه أنانيته ومصالحه الذاتية، ولا يهمه إلا نفسه، وقليل من ينظر للمصلحة العامة ويجعل لها الأولوية في حياته. يتصرف البعض ممن لديهم سلطة أو نفوذ، وكأن المواطنين الآخرين من أمثاله لا قيمة لهم ولا شأن، فينهب حقوقهم ويعتدي عليها، ويستغل سلطاته ونفوذه لإذلالهم وإهانتهم والتضييق عليهم. الحديث عن الوطن ينبغي ألا يقتصر على مناسبة اليوم الوطني فقط، وممارسة المواطنة ينبغي أن تأخذ مجرى مختلفا كي تتحول هذه الرومانسيات إلى واقع ملموس يشعر فيه الجميع ويعيشه دون أي تمييز. الوطن يكبر يوما بعد يوم، ويزداد عزة وشموخا عندما يتنادى جميع أبنائه لبنائه، ويقفون جميعا صفا واحدا لحمايته من أي اعتداء أو تجاوز عليه. يكون وطنا حقيقيا حين يشعر الجميع بأنهم سواسية، وقوتهم تأتي من اتحادهم وتكاتفهم. الوطن الذي نحبه ويحبنا، هو ذلك الحاضن الذي يحمي حقوق كل أبنائه، ويتبادل معهم الحب والمشاعر الجميلة وكذلك ممارسات المواطنة الكاملة وشروطها. لن ننخدع بكلمات معسولة ممن يغالون في مديح الوطن ويزايدون على الآخرين، وهم الأكثر تلاعبا فيه وفي حقوق أبنائه. الوطن وطننا جميعا، كل أبنائه فردا فردا، هو لنا ونحن له، يضمنا ونضمه، فحبه هو ما يجمعنا. لنحول كل الرومانسيات إلى أرض الواقع ونختبرها، يوما بعد يوم، ولنجعل لكل عام شعارا هدفه أن يطور من وطننا، ويعزز من مكانته، ويقويه، ويحميه. الوطن ليس شعرا أو قصيدة أو مقالة أو احتفالا، الوطن هو تفاعل حقيقي متوازن بين مختلف مكوناته، وشعور عميق يشد أبناءه مع بعضهم بعضاً، حيث إن جميعهم متساوون وشركاء فيه.

مشاركة :