رواية تقع في ثلاثة فصول: الأول نحو النسيان والثاني الطريق إلى الظلام والثالث الحياة بطعم آخر. تستدعي هذه الرواية إلى الأذهان رواية أمل شطا (لا عاش قلبي) التي تصور الرباط ومجتمع النسوة اللواتي يعشن فيه، فهذه الرواية تصور مجتمعا مشابها وهو دار رعاية الفتيات، هذا المكان المغلق على مآس حزينة و أسرار دفينة. ولعل الرواية بعالمها المغلق الذي لا ينفتح قليلا حتى يعود إلى سابق عهده صندوقا مقفلاً، وكأنه تمثيل رمزي لصدور قاطناته التي تنطوي على حسرات لاحد لها ،فهو يضم أنماطاً من البشر ونماذج من الشخصيات التي تتفرد بلامحها الخاصة من جانب وتمثل ضروبا من البشر قذف بهم المركز إلى هامشه في معاناة اختلفت ردودهن عليه ظاهراً واتّحدت باطناً. ثمة أكثر من راو في هذا العمل، وتعدّد الرواة لا يعني تعدد الأصوات والاقتراب من أخص خصائص الرواية كما يراها باختين، وهذه السمة الأولى التي تتسم بها الرواية؛ إذ تتراوح ما بين بطلة القصة ليلى الراوي المشارك بضمير المتكلم والرواية بضمير الغائب ونزيلات الدار، الصوت واحد هو صوت المؤلف الذي يتعاطف مع المظلومين، ويتعدد المروي لهم بتعدد الرواة من خلال الأحاديت البوحية التي تتبادلها الفتيات والشخصيات الأخري داخل الدار وخارجها. لقد عمد الكاتب إلى إبقاء شخصية الساردة الرئيسة غامضة إلا من خلال تلميحات بين الحين والآخر، في حين جعل كل نزيلة تفضي بأسرارها دون أن يكشف حقيقة ليلى إلا بعد أن قطع شوطا في الرواية. والمنظور الروائي يقدم من عدة منصات: تستأثر بأغلبها بطلة الرواية يشاركها ضمير الغائب الذي يبدو راويا عليما، في ختام الرواية يأتي سارد جديد ظل صامتا طيلة الرواية ابنة ليلى ثمرة الاغتصاب، ويلجأ الكاتب إلى أسلوب التداعي في تشكيله للشخصيات؛ فقد عمد إلى رسم صور من الماضي تتجلى فيها قسوة أبيها والد ليلة التي استحضرتها قسوة المشرفة نورة فانثالت صور من الماضي على ذهن ليلى في تنميط واضح لبعض شخصياتها حيث تستقر صورة النمط في الذهن في عملية تراكمية تفصح عن الحدث أو الموقف الإنساني للشخصية و تقدم إضاء لطرف من مأساتها. لقد اشتملت الرواية على قصص شتى مسرودة بأسلوب موحّد من الناحية اللغوية فيما عدا بعض الحوارات بالعامية، ولكن الأصوات فيها متعددة وكأنها معزوفة متعددة الأنغام في جملة موسيقية جوهرية تتنوع عليها أنغام متعددة (الميلودي والهارموني)، فجملة الحكايات تتركب على الجملة الرئيسة التي تمثلها مأساة ليلى. لم يكن الحوار في الرواية ذا طابع درامي بل غنائي ملحمي، لم يكن هناك صراع بين المتحاورين؛ حتى في البناء القيمي في الرواية: ظالم ومظلوم، إذ يستسلم المظلوم دون أن تتاح له فرصة المقاومة، ولهذا تراوحت الحوارات في الرواية ما بين المناجيات التخييلية والتوسلات والبوح. في الفصل الثالث من الرواية يصل الكاتب ما انقطع عبر عملية الاسترجاع التي استوعبت حادثة السقوط وكأنها جملة معترضة، لقد استهل هذا الفصل بواقعة صادمة تتمثل في انتحار إحدى النزيلات، لقد استثارت هذه الحادثة مكامن الإحساس بالمأزق الإنساني الذي تعاني منه ليلى، فكانت مدعاة لحوارات داخلية أشبه بالمونولوجات؛ لكنها لم تكن كذلك، بل كانت أقرب إلى استبطان الذات والحفر في الوعي الباطن ورصد لذبذات النفس المكلومة؛ غير أن الخاتمة التي جاءت على لسان ابنة ليلى التي تسلمت زمام السرد أبقت النهاية مفتوحة مما أنقذ الرواية من الوقوع في شرك الحكايات الشعبية.
مشاركة :