تؤكد الفنانة التشكيلية العراقية الشابة زهرة البغدادي أن العنف المزمن في بلادها لن يرغمها أبداً على الالتحاق بزملائها من العراقيين الذين فروا إلى أوروبا أو الولايات المتحدة. إنها تحب العراق وتحب بغداد وعزمها لا يلين على أن تنوّر العقول بأعمالها الفنية رغم التحديات المضنية. وقالت زهره وهي تحتسي الشاي في قاعة «حوار» للفنون التشكيلية التي تعتبر آخر معاقل الفن في بغداد: «لدينا جميعاً صورة مرتبكة عن المستقبل بسبب ما نراه من حرب وقتل وخطف»، ولكنها مع ذلك ما زالت تحب العراق ولا تريد مغادرته. وفي زيارة لمدة شهر لأقارب لها في سوريا عام 2010، عرفت زهرة مدى حبها للعاصمة العراقية على رغم الظروف الصعبة. فبعد شهر أخبرت والديها بأنها ستعود إلى بغداد ولو بمفردها. وعاد الوالدان معها. وهذا الحب هو حافز الفنانين العراقيين لإحياء الماضي العريق للفن العراقي، والتغلب على حالة الإحباط التي سيطرت على الثقافة العراقية منذ الغزو الأميركي في عام 2003. وتعمل زهرة في مرسم بمنزلها وتركز في أعمالها بحسب قولها على «المشكلات الإنسانية في الداخل»، ليس البسيط منها ولكن المعقد. وتمثل زهرة فئة صغيرة من الفنانين العراقيين الذين يستمدون الإلهام من بلادهم التي مزقتها عقود من العقوبات والحرب. وحالياً يواجه هؤلاء الفنانون اتجاهاً اجتماعياً محافظاً وتديّناً متشدداً أحياناً يُسرب إليهم إحساساً بثقل القيود. ومن بين هؤلاء، الفنان العراقي المخضرم قاسم سبتي، رئيس «جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين». ويتحسر هذا الفنان الذي يدير الجمعية منذ عهد صدام حسين قائلاً: «إننا قبيلة منسية». وكان مقر الجمعية المقام على أرض تبرع بها الملك فيصل عام 1956 ملتقى مسؤولي حزب «البعث». وقد تعرض المقر لسطو من عصابات إجرامية في عام 2003 سرقت مكيفات الهواء وكسرت النوافذ ودمرت أعمالًا فنية كثيرة. ثم دمرت الحرب الطائفية وحركات التمرد سوق الفن بعد ذلك. وفيما مضى، كان العراقيون الأثرياء وأبناء الطبقة الوسطى يشترون الأعمال الفنية، ولكن هؤلاء غادروا البلاد، والدبلوماسيون الغربيون الذين كانوا يشترون أعمالًا فنية لفنانين عراقيين اختفوا هم أيضاً داخل المنطقة الخضراء، وأُغلقت كل معارض الفن التي كانت مفتوحة الأبواب في عهد صدام. ولكن إنتاج الفنانين العراقيين لا يتوقف والأعمال التي تُسلم إلى المعارض الفنية توضح هذا الزخم في الإبداع. وقد امتُحن الصمود وإرادة الحياة لسنوات. وبعد سحق «داعش»، يريد العراقيون، والفنانون من بينهم، أن ينعموا بدرجة ما من الحياة الطبيعية. وقد أعلن الفنانون العراقيون عام 2003 الحداد بعد نهب «المتحف العراقي» في بغداد، مما أفسح المجال أمام تهريب أعمال فنية قديمة لا تقدر بثمن إلى الخارج. ثم أعلن الفنانون الحداد مرة أخرى حين حطمت «داعش» أعمالًا فنية قديمة ومزارات سياحية في مناطق وقعت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي. وما زال قاسم سبتي ينظم عشرة معارض برعاية الجمعية سنوياً، بما في ذلك معرض لأعمال النحت بتمويل جزئي من سفارات دول غربية. ... المزيد
مشاركة :