لا وقت للرثاء بقلم: سعيد خطيبي

  • 12/10/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الوضع العربي الحالي يدور في جوّ من العبثية ومن السّخرية السّوداء، إننا نعيش في ديكور لا يختلف كثيراً عن ديكور رواية الغريب لألبير كامو.العرب سعيد خطيبي [نُشر في 2017/12/10، العدد: 10838، ص(10)] عربة الرّبيع العربي توقّفت في منتصف الطّريق، لم تجد من يدفعها إلى الأمام، هي -الآن- مُحتجزة، لا تستطع أن تكمل مسارها، ولا يحقّ لها العودة إلى الوراء، ربما لن تُغادر النّقطة التي وصلت إليها، نقطة اللاانعطاف، على الأقلّ في الوقت الرّاهن. كما أن معسكر “الخوف” قد غيّر من موقعه، انتقل من أعلى إلى أسفل، من الحاكم إلى الشّعب، هذا الأخير بات يجد نفسه في منطقة الظلّ، لقد قذف كلّ ما يملك في لحظة واحدة، تعب ثم تراجع، أحلامه تضاءلت، لم تعد بنفس شغف اللحظات الأولى، قبل ستّ سنوات من الآن. لقد حصل الانقلاب، بشكل مُفاجئ، في وقت كان فيه الرّكود يقيناً، خرجت الجماهير إلى الشّارع وفزع الحاكم، لكن سرعان ما حدث الانقلاب المُعاكس، عاد الهرم إلى شكله الأوّل، استعاد الأسياد القدامى ثقتهم في أنفسهم، استردوا كراسيهم وأمكنتهم، وتغيّرت شعارات الجماهير من “حريّة وكرامة” إلى “خبز وعيش” وكفى، انخفض سقف الطّموحات وسقطت المطالب الكبرى، الحلم كان مباغتاً جاء في لحظة لم يتنبّأ بها أحد وانتهى مثلما بدأ، والسّبب أن الحاكم قد فهم منذ عقود سيكولوجيا الشّعب، أدرك كيف يمسكها من قميصها ويثبط حركتها، وعرف كيف يقلب الخسارة إلى انتصار، فارق الخبرة في كسب المعركة الميدانية يبدو واضحاً بين الطّرفين، بين براءة الحلم وخبث الآلة السّياسية، كانت الغلبة للثّانية، هكذا تكون الشّعوب العربية قد خسرت أولى معاركها في القرن الحادي والعشرين، تقدّمت خطوة إلى الأمام وتراجعت خطوات أخرى إلى الوراء، أو بالأحرى دُفعت عنوة للتّراجع، ولكن يبقى لها أن تفكّر -الآن- في أسباب الهزيمة، في كيفيات الخروج منها وماذا تُريد من لحظتها الحالية بهدف تحقيق الطّفرة الاستثنائية؟ الوضع العربي الحالي يدور في جوّ من العبثية ومن السّخرية السّوداء، إننا نعيش في ديكور لا يختلف كثيراً عن ديكور رواية “الغريب” (1942) لألبير كامو (1913-1960). ماذا كان سيخسر كامو لو جعل من بطل روايته ميرسو عربياً! إنّه لا يختلف عن أيّ عربي آخر، يبدو واحداً منّا، يُشبهنا، ولو غيّرنا هويته فلن تفقد الرّواية شيئاً من قيمتها. ميرسو قتل عربياً “تحت الشّمس”، لم يكن يستفزه أمر من سلوكيات العربي/الضّحية سوى أنه خرج إلى النّهار، صرّح بوجوده، أظهر جسده -في العلن- بعدما كان مجرد اسم وصورة، وحاول أن يُنافس أو يُقاسم الآخر/المُستعمر في امتلاك الفضاء العامّ. ذنب العربي في رواية “الغريب” أنه خرج من الظلّ إلى الشّمس، سحب جسده من الصّمت إلى الكلام، تماماً مثلما فعل “أحفاد العربي” في الرّواية نفسها بخروجهم إلى الشّمس، إلى الشّارع، إلى الميادين التي كان يحتكرها السّلطان وخدمه، ليرفعوا أصواتهم وراياتهم، ليجدوا أن ميرسو قد تعدّد وتمدّد، كان واحداً وصار مئات يترصّد عرباً آخرين في تونس والقاهرة وصنعاء وطرابلس ودمشق يرميهم بالرّصاص كي يقمع صوتهم. لقد قام ميرسو بفعلته وهو يُمارس حياته الرّوتينية، حياة لا تختلف عمّا يعيشه العربي اليوم: يُراقب تقلّبات الجوّ وألوان السّماء من صحو ومطر، ويرصد سلوكيات المارّة في الشّوارع وملابسهم. حياة ميرسو تشبه حياة أيّ عربي اليوم، هو مُحبط من حياته، ويكره كلّ عربي آخر “يخرج إلى الشّمس”. كما لو أن ألبير كامو كتب قبل 70 عاماً من وصول عربة الرّبيع العربي، بورتريه متكامل عن “خصم العربي”، لم يكن ميرسو مجرّد شخصية في رواية بل هو كلّ شخص يحمل حقداً تجاه العربي الذي يفكّر في استبدال الظلّ بالشّمس. إن ميرسو المُعاصر الذي يعيش بيننا ويهدّد كلّ حركة يفكّر فيها العربي هو الندّ الحقيقي، فحاضر العربي ومستقبله ليسا يتحددان سوى بالاعتماد على تصرفات وأفكار ميرسو المُعاصر، هذا الأخير قد يتجسد في صورة شرطي في ساحة عامّة أو مسؤول في آلة الدّولة أو مُستبدّ يخاف على كرسيه أكثر مما يخاف على كرامة شعبه. المواطن العربي لم يعد قادراً على تخيّل قدره والتّنبؤ بمستقبله، فهو يعلم أن ميرسو يجلس في الجهة المقابلة ويُراقب تصرفاته. كاتب من الجزائر ينشر المقال بالاتفاق مع "الجديد" الشهرية الثقافية اللندنيةسعيد خطيبي

مشاركة :