سعيد خطيبي: نحن جيل ملعون من الكتاب بقلم: عبدالله مكسور

  • 10/30/2016
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

سعيد خطيبي: نحن جيل ملعون من الكتاب تمثِّل الأمكنة فضاءً متكاملاً ينهلُ منه الكاتب قصصاً ماضية مرَّ عليها التاريخ دون التفصيل فيها، قصص ترتبط بشخصيات كانت فاعلة في زمن مضى، ثم ما لبثَ ضوؤها أن خبا، الكاتب الجزائري سعيد خطيبي يعود إلى مطلع القرن الماضي ليعيد رسم المشهد خلال تواجد الرحَّالة والكاتبة إيزابيل إيبرهارت في مسقط رأسه جنوبي الجزائر. العربعبدالله مكسور [نُشرفي2016/10/30، العدد: 10440، ص(13)] سؤال الهوية يرتبط بعمق مع الأدب سعيد خطيبي، كاتب وصحافي جزائري، ولد في عام 1984، درس في الجزائر وفرنسا، وحصل عام 2012 على جائزة الصحافة العربية، صدر له العديد من المؤلفات بين الرواية والبحث، في هذا الحوار يفتح خطيبي الباب على أسئلة الهوية والتاريخ من خلال أعماله “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل”، “كتاب الخطايا”، “عبرت المساء حافياً”، “جنائن الشرق الملتهبة”. صدرت لضيفنا مؤخراً رواية “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل”، والكتابةُ عن رحَّالة مثل إيزابيل إيبرهارت التي عاشت بين عامي “1877- 1904″، يتطلّب نبشاً في التّاريخ، والتّاريخ يُروَى من زاوية نظر المُدوِّن، وهنا أسأل سعيد عن موازنته بين الرؤية التاريخية والرؤية الأدبية في روايته، ليقول إن “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل” رواية وليست كتاب تاريخ، بالتّالي فهي تخضع لتأويلات أدبية – بالدّرجة الأولى- وليس تاريخية. الأدب له قدرة على احتواء التّاريخ كما يصفه، لذلك يسمح للكاتب بأن يعود إلى الماضي، لمحاولة فهمه، وإعادة التّفكير فيه، وتصوّر الأحداث، والرّبط بين وقائع مشتركة، وأخرى غير مشتركة، فالنص عند خطيبي -مهما كان جنسه- لا ينتمي سوى للأدب، إنما القراءات والتّأويلات من تحرّكه، وتنسبه إلى تخصّصات أخرى، والقراءة فعل ذاتي، يمنح للقارئ الحقّ في رسم صورة مُغايرة للعالم من منطلقات شخصية. تشكيل التاريخ بناء على ذلك فإن ضيفنا صبَّ اهتمامه في روايته على الأدب وليس على التّاريخ الذي أعاد التفكير فيه، من منظور مختلف، ذلك المنظور أتى من زاوية أدبية، الثّابتُ فيها أنها مبنية على استعادة وقائع حقيقية كما يقول، حيث انشغل في السّنوات الثلاث الماضية في إعادة قراءة وفهم أعمال الكاتبة والرّحالة إيزابيل إيبرهارت ، من خلال العودة إلى أرشيفها الشّخصي في فرنسا، من كرّاسات وأوراق متناثرة، وإلى المرويّات الشّعبية التي تُحكي عنها خلال إقامتها في مسقط رأس الكاتب جنوب الجزائر، ومن خلال هذه القراءات المكثَّفة والبحث الذي اعتمد طرقاً عديدة، أعاد سعيد خطيبي تشكيل عالم إيزابيل إيبرهارت، انطلاقاً من قاعدة واسعة من البيانات ومن الأرشيف ومن الحكايات. يصف خطيبي ما كُتب عن إيزابيل إيبرهارت حتى الآن، بأنَّه لم يخرج من دائرة المدح المبالغ فيه، لهذا فقد عاد كما يؤكد إلى الماضي بقدر كاف من الموضوعية، ليس باعتبارها كاتبة كبيرة وفقط، بل باعتبارها عنصراً محورياً في محاولة فهم بعض جزئيات الحقبة الكولونيالية في الجزائر، وفي المغرب العربي إجمالا، وباعتبارها جزءا من التّاريخ، فاستعادة حضورها يأتي في سياق إعادة فهم المرحلة التي عاشت فيها، التي كانت مرحلة شبه مغيّبة من تاريخ الجزائر بحسب ضيفنا. ينتمي إلى جيل ملعون من الكتاب كما يصفه، جيل بلا انتصارات، ولدوا مهزومين، فكانت الكتابة كلغة احتجاج على الحال الذي وصلوا إليه، في ظل سرقة لحظة الفرح القصيرة، عقب بدايات الربيع العربي العالم الروائي عالم سعيد خطيبي الروائي يستند اليوم إلى إصدارين، “كتاب الخطايا”، و”أربعون عاماً في انتظار إيزابيل”، أسأله هنا عن أبرز ملامح ومقوّمات وضوابط الكتابة الروائية كمشروع أدبي لديه، ليقول إنه مسكون بسؤال الهوية، إلى أين ننتمي فعلاً؟ ولماذا؟ هل يجب أن نطيع السّرديات الكبرى، التي تشكّلت في حقبة ما بعد الاستقلال، والتي أثبتت فشلها، ونعيد إحياءها وتدوير الفشل مرّة أخرى، إرضاءً للجموع المغيّبة، أم نتنصّل منها ونتحمّل غضب الجماعة ضدّ الفرد؟ أمام هذه التساؤلات يجد خطيبي نفسه ينتمي إلى جيل ملعون من الكُتَّاب كما يصفه، جيل بلا انتصارات، وُلدوا مهزومين، فكانت الكتابة كلغة احتجاج على الحال الذي وصلوا إليه، في ظل سرقة لحظة الفرح القصيرة، عقب بدايات الرّبيع العربي عام 2011، فقد اكتشف الشباب كما يرى ضيفنا أن الأمر يتجاوز طوباويَّتَهُم، فضاعت الثورات في أنانية رجال دين، والعسكر، وعدد من السّياسيين المتقاعدين، أمام هذا المشهد يتكرر سؤال الهوية باستمرار. يتساءل خطيبي، هل يجب أن نبقى في الحيّز الذي نشأنا فيه أم يجب أن نتجاوزه؟ ولكن كيف؟ هذا التّصادم الذي نعيش فيه اليوم، ليس مع الآخر، المختلف عناّ، بل فيما بيننا أيضاً، يقول ” نحن جيل فاقد لبوصلة الأيديولوجية، جيل تزحزح إلى الخلف، من البداية، وما يجب علينا الآن ليس قلب الوضع، ولكن فقط محاولة التّقليل من حجم الخيبات”. حوارات في الهوية من خلال كتابه “عبرت المساء حافياً”، حاور سعيد خطيبي كتَّاباً فرانكفونيين، أسأله هنا عن رؤيته لثنائية الاستغراب والاستشراق، ليقول إنَّه في كتاب «عبرت المساء حافياً» ركّز جهده على وضع كتّاب جزائريين، يكتبون بالفرنسية، ياسمينة خضرا، مليكة مقدّم، أنور بن مالك، وغيرهم، ومجدداً برز أمامه سؤال الهوية. اللغة محدّد أساسي في تحديد انتماء الفرد. اللغة تشارك في تشكيل ذهن الكاتب، في توجيه طريقة تفكيره، فمنذ اللحظة التي يشرع فيها طفل في الكلام، يشرع في التّفكير، وبحسب اللغة التي يكتب بها الكاتب، يصنع عقله عوالم مختلفة له. مفهوم الأصالة لا بد أن يتقبل الانفتاح على الاختلاف يتابع ضيفنا، أنَّ البعض يرى في أن المكان الذي نُولد ونكبر فيه هو الذي سيحدّد خصوصيات هويتنا، لكن اللغة التي سنتبناها لاحقاً أيضاً ستقدّم عناصر جديدة في تشكّل منطلقاتنا الهوياتية. بالمقابل، لا يمكن أن نفصل لغة من ثقافتها، ومن ميزات المجتمع الذي توجد فيه، من هنا تبدو حالات كتاّب عرب، يكتبون بالفرنسية، أو بلغة أخرى غير عربية، مستفزّة للأسئلة، تستلزم وقفة مطّولة معها. هذا الاختلاف اللساني سيغيّر من نظرتهم للعالم، سيضعهم بالتالي في صدامية مع القارئ الأصلي، القارئ الذي وُلد وكبر وما يزال يعيش في مجتمعاتهم الأصلية، يستحضر خطيبي هنا قول كاتب ياسين في تعريفه للغة الفرنسية في الجزائر بأنها “غنيمة حرب”، لكنها عند ضيفنا تتخذ صورة “الورطة التاريخية” في الحقيقة، ففي الجزائر أو المغرب، مهما نجح كاتب محلي، يكتب بالفرنسية، سيبقى ينظر إليه بتوجّس، كما لو أنه ليس كاتبا مكتملاً، على غرار أقرانه الذين يكتبون باللغة الوطنية بحسب خطيبي، الذي ـ ووفق هذا المنظورـ كان يحاور كتّابا فرانكفونيين، ليس في كتاباتهم بعد استشراقي -بالتّعريف الكلاسيكي للمصطلح-، لكنهم فعلا يعيشون اغترابا مضاعفا: اغتراب جسدي وآخر لساني، وهذا أمر يشعرهم بكبت، بسبب وجود حاجز نفسي في تواصلهم مع القارئ في بلدهم الأصلي. أصالة النص حديثه عن إرباكات الكتابة بلغة أخرى لمتلقّ يحمل في روحه لغة مختلفة عن أبجدية الكتابة، يدفعني لسؤاله عن فكرة “الأصالة” في النص الأدبي، شعرياً وسردياً، فضيفنا يملك في ذهنيَّتِه خلفيات ثقافية متعددة، برزَ بعضها في منجزه الإبداعي والآخر ظلَّ على شكل خيالات في مسيرتِه الدراسية بين الجزائر وفرنسا، ليقول إنَّ الوضع العام الذي نعيش فيه، في الوطن العربي، من حالة لاطمأنينة، وقلق مستمر، على أكثر من صعيد، يجعل من مسألة الهوية، مسألة أساسية. وسؤال الهوية يرتبط، بعمق، مع الأدب ومع الكتابة الأدبية، بتعدد أجناسها. ومن الهوية نفسها، والتّعصب لها أو الابتعاد عنها، تولد الاختلافات، التي من المفروض أن تؤسس لتحاور إيجابي، في الوطن العربي. ويتابع خطيبي أنَّ مفهوم الأصالة نفسه لا بدّ أن يتقبّل الانفتاح على الاختلاف، ألّا يتحوّل لحاجز أمام ضرورة “التعدّد الثّقافي”، فالخلاص برأي سعيد خطيبي، في الوطن العربي، لا يكون سوى بتوسيع أفق التعامل مع الهويات، والأدب العربي لن يبلغ عالميته إلا باستيعابه لهذه الفسيفساء الهوياتية، وفي قدرته على الدّفع بالأفراد نحو الانفتاح عليها، فالانغلاق الهوياتي، الذي نعيش فيه منذ نهاية الحقب الكولونيالية، انعكس فعلاً على الأدب، وصار كل كاتب متعصباً -في لا وعيه- لمكوّنات هويته الذّاتية، عرقية كانت أو دينية أو فكرية. توسيع أفق التعامل مع الهويات جنائن الشرق الملتهبة خلال رحلته إلى بلدان البلقان عام 2013 في مهمة صحافية أنجز ضيفنا كتاباً حمل عنوان “جنائن الشرق الملتهبة”، فاز من خلاله بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي عام 2015 عن فئة الرحلة المعاصرة، وهنا أسأله عن علاقته بالمدن والأمكنة، ليقول إنه طالما سأله نفسه، هل يمكن أن يجعل من السفر بيتاً له، هل يمكن أن يكون الاغتراب هو الهوية التي لا ننظر إليها؟ ولهذا فإن ضيفنا يرى أنّ كلّ مدينة جديدة نكتشفها تجعلنا نلامس قطعة ضائعة من القلب، هذا ما كان يشعر به وهو يتنقَّل بين دول البلقان، وقراها وأريافها، عام 2013. فجاءت فكرة الكتاب بشكل عفوي، يتابع سعيد “ركبت السّيارة، وسافرت بين دول البلقان. خمسة دول، بتعدّدها وتشابهها، بحروبها التي لم تنته، قطعتها في ثلاثة أسابيع. في كلّ هذه المدن والأمكنة التي زرتها وكتبت عنها، كان يوجد عامل مشترك: إنها أعادتني إلى ذاتي. السّفر، مهما طال، يعيدنا إلى أنفسنا. إلى أشياء مغيّبة من دواخلنا. السّفر يمنحنا هامشاً أوسع من الحرية، من الحلم، هو أشبه ﺒ’ولادة جديدة’. يحصل دائماً أن يبلغ السّفر نهايته، ومعه تنتهي علاقتنا المباشرة مع الأمكنة الجديدة، لكن ترسّباتها تظلّ حاضرة، في عقولنا وقلوبنا، في أفكارنا وفي خيالنا. هكذا السفر، والتّجوال في مدن وأمكنة بعيدة، هو ليس فقط سفر للفرجة، وإنما سفر للفكرة، لتجديد وعينا بالعالم”. كاتب من سوريا :: اقرأ أيضاً يقظة ثقافية لا ثورة ثقافية عبد الخالق الركابي من ماركيز إلى دستويفسكي الفنان العراقي محمود العبيدي يعرض في الدوحة التشكيلي العراقي عمار داوود ومغامرة إحياء التراث الروحي

مشاركة :