قرار ترامب لن يغير من مجريات الصراع على القدس، ولن يفت من عضد الفلسطينيين في نضالهم من أجل حقوقهم، لكنه يبين الأوهام التي وضعتها القيادة الفلسطينية على عملية التسوية وعلى المراهنة على الدور الأميركي.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2017/12/11، العدد: 10839، ص(9)] لم يأت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلق باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، مفاجئا، لا للفلسطينيين ولا للعالم العربي ولا للمجتمع الدولي، إضافة إلى أنه ليس خارج سياق الدعم اللامحدود الذي تقدمه هذه الدولة لإسرائيل منذ قيامها، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا، ناهيك عن ضمانها أمن إسرائيل وتفوقها في الشرق الأوسط. ومعلوم أن دونالد ترامب جاء إلى البيت الأبيض بوعود معلنة وواضحة بشأن إنفاذ هذا القرار، وبشأن التحلل من التزام الولايات المتحدة برعاية عملية “السلام”، التي وقعت عليها في اتفاق أوسلو، بين الفلسطينيين وإسرائيل (عام 1993)، ولو أن هذا وذاك جاءا في سياق الادّعاءات غير المتوازنة لهذا الرجل، بشأن انسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو، والتخفف من التزامها بمنظمة الأمم المتحدة، التي وجه إليها انتقادات قاسية، إضافة إلى تصريحاته المتعلقة بفك العلاقات الاقتصادية مع الصين، إلخ. هذا أولا. ثانيا، لم يكن هذا القرار مفاجئا لأن ثمة قرارا كان اتخذه الكونغرس الأميركي (عام 1990) نص على نقل سفارة الولايات المتحدة من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، وقد تم تجديد هذا القرار في العام 1995، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وتضمّن ثلاثة بنود، أولها، بقاء القدس موحدة غير مجزّأة. وثانيها، الاعتراف بها كعاصمة لـ”إسرائيل”. وثالثها، يلزم الإدارة الأميركية بنقل السفارة الأميركية إليها، في أيّ وقت ملائم. وفي حينه فقد أجاز القرار إمكانية تأجيل هذه الخطوة ستة أشهر كل مرة، بناء على طلب مسبق يقدمه الرئيس الأميركي إلى الكونغرس، بداعي حماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. هكذا لم يُنفذ هذا القرار، لا في عهد بيل كلينتون، ولا في عهد جورج بوش الابن، ولا في عهد باراك أوباما، في مراعاة منه لعملية التسوية، ولدور الولايات المتحدة فيها. من كل ما تقدم يمكن تقديم عدة ملاحظات حول هذه المسألة، أولاها، أن القيادة الفلسطينية تتحمل مسؤولية عما حصل، فهي مثلا، قد رضيت بتأجيل قضية القدس (مع قضايا اللاجئين والحدود والمستوطنات)، في اتفاق التسوية الذي عقدته مع إسرائيل عام 1993 رغم وجود هكذا قرار أميركي بشأن القدس، ورغم معرفتها بعدم استعداد إسرائيل لأي تنازل عن سيادتها على ما تعتبره القدس الموحدة (القسمين الغربي والشرقي من القدس الذي احتل عام 1967)، أي أنه كان بإمكانها الضغط على الولايات المتحدة لإلغاء هذا القرار من أساسه. والثانية أن الولايات المتحدة حين أقدمت على هذا الخيار فكأنها، في ذلك، تبعث برسالة إلى القيادة الفلسطينية تعلن فيها صراحة فك علاقتها بعملية التسوية، وانحيازها إلى مطالب إسرائيل، في قضية أساسية من قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما يفيد بأن هذا الموقف ينسحب على القضايا الأخرى التي تعتبر من قضايا الحل النهائي (أي اللاجئين والحدود والمستوطنات). والثالثة أن هذا القرار الأميركي يضع الولايات المتحدة في موقف يتعارض مع قرارات المجتمع الدولي، الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وعن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي لا تجيز احتلال أراضي الغير بالقوة، والتي تعتبر احتلال إسرائيل في 1967 للأراضي الفلسطينية (الضفة وغزة والقدس) غير شرعي، وأنه لا يجوز تغيير أوضاع هذه الأراضي من أيّة ناحية، ناهيك أن هذا يتعارض مع القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (عام 1947)، الخاص بتقسيم فلسطين، واعتبار القدس منطقة دولية خاصة، ولا سيما أن هذا القرار مع القرار 194 (عام 1949) الخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، قد شكلا الأساس للقرار 273 (1949) الذي تم بموجبهما الاعتراف بإسرائيل، علما أنها الدولة الوحيدة التي اعترفت بها منظمة الأمم المتحدة على هذا النحو، أي بشكل مشروط. والرابعة أن الولايات المتحدة، في ظل رئاسة ترامب، وضعت نفسها على الضد من الدول الأخرى الصديقة لها، وهذا ما تبين من الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي (8 ديسمبر)، إذ أن كل هذه الدول أعلنت معارضتها للقرار. وكدلالة على هذا الموقف فقد أصدر سفراء فرنسا وألمانيا وبريطانيا والسويد وإيطاليا، في الأمم المتحدة، بيانا مشتركا واضحا وحاسما، اعتبروا فيه إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل “لا يتطابق مع قرارات مجلس الأمن الدولي” وأن “القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وأن “وضع القدس يجب أن يحدد عبر مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، و”أن تكون القدس عاصمة لدولتي إسرائيل وفلسطين. وفي غياب اتفاق، لا نعترف بأية سيادة على القدس”. وأن “الاتفاق على الحدود بين الدولتين يجب أن يتم على أساس خطوط 4 يونيو 1967 وفق تبادل أراض يتفق عليه الجانبان. وأن الاتحاد الأوروبي لن يعترف بأي تغيير لحدود 1967 بما فيها في القدس إلا باتفاق الطرفين”. وأن ما حصل “لا يخدم فرص السلام في المنطقة”. طبعا لن يغير هذا القرار من مجريات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على القدس، ولن يفت من عضد الفلسطينيين في نضالهم من أجل حقوقهم، لكنه يبيّن خطل الأوهام التي وضعتها القيادة الفلسطينية على عملية التسوية، وعلى المراهنة على الدور الأميركي فيها. والجدير بالذكر أن هذه القيادة اليوم أضحت أمام عدة تحديات أو تهديدات أميركية، تتمثل أولا، في القرار المتعلق بالقدس، وثانياً في التهديد بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتحديد نطاق عمله في إطار تسيير المفاوضات، وثالثا، في تجميد المعونات المقدمة إلى السلطة وقدرها 400 مليون دولار سنويا. فكيف ستواجه هذه القيادة كل هذه التحديات أو كيف ستتعامل مع الأوضاع الناشئة عنها؟ كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي
مشاركة :