محمد أمين | يرى ساري مقدسي* أن قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يمثل تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ عقود، ويشكل ضربة قاضية لحل الدولتين في الصراع الاسرائيلي مع الفلسطينيين. وتشمل هذه الخطوة، أولاً، رفضاً مهيناً لتطلعات الفلسطينيين وحقوقهم، وإنكاراً لمطالبتهم بالمدينة التي يعتبرونها عاصمة لهم، حيث يعيش حوالي 400 ألف نسمة منهم. إن القبول بالقدس عاصمة لإسرائيل هو مشاركة في مخطط التطهير العرقي الذي تنفذه اسرائيل بهدف تهجير سكان المدينة الفلسطينيين ببطء واستدالهم مستوطنين يهود بهم. وتهدف السياسة التي تنتهجها إسرائيل منذ أمد بعيد إلى التلاعب بالتوازن السكاني بالقوة، لليهود وغير اليهود في المدينة لضمان تفوق سكان المدينة اليهود، عدداً. وتؤتي مثل هذه السياسة البشعة ثمارها نتيجة غياب الاستثمار في البنية التحتية للمناطق الفلسطينية في المدينة، وحرمان الفلسطينيين من تصاريح البناء، وهدم المنازل الفلسطينية، وتجريد سكانها من حق الإقامة، وعزل الأحياء الفلسطينية بعضها عن بعض، وفصل المدينة عن الضفة الغربية بواسطة جدار الفصل العنصري، وغض المجتمع الدولي الطرف عن القمع الذي يتعرض له السكان الفلسطينيون في المدينة المقدسة. وفي الوقت نفسه، تنقل إسرائيل المزيد والمزيد من اليهود إلى المستوطنات اليهودية حول القدس، والتي بنيت على أراض فلسطينية صادرتها اسرائيل بشكل غير قانوني بعد احتلالها الجزء الشرقي من المدينة عام 1967. تطهير عرقي إن الاعتراف بهذه المدينة المحتلة عاصمة لإسرائيل إنما هو تأييد لعمليات التطهير العرقي البطيئة وسياسات الفصل العنصري. ولا تعترف أي دولة أخرى بسيادة إسرائيل على القدس، لأن فرضها لهذه السيادة جاء نتاج هذا العنف التاريخي المتواصل الذي تمارسه اسرائيل. وفي النهاية، فإن مطالبة إسرائيل بالقدس «عاصمة موحدة وأبدية للشعب اليهودي» ضعيفة في أحسن الأحوال. فقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، الذي قسّم فلسطين الى دولة يهودية واخرى عربية (مفترضة)، والذي أعلنت إسرائيل استقلالها على أساسه، ينص على أن القدس كيان منفصل عن أي من الدولتين. وقد استولت إسرائيل على الجزء الغربي من المدينة بالقوة في عام 1948، ثم استولت على الجزء الشرقي منها، بالقوة، أيضاً، عام 1967. وبموجب القانون الدولي، ما زال وضع القدس معلقاً. لقد أكد مجلس الأمن باستمرار أن القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال العسكري، ومن ثم لا يمكن ضمها قانوناً أو استعمارها، تماماً مثلما هي حال الضفة الغربية. وضع غير مشروع وقد أدان مجلس الأمن في القرار رقم 2334 الذي اصدره في ديسمبر 2016، جميع التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ووضعها وطابعها، بما فيها القدس الشرقية، واعتبر القرار، بناء المستوطنات وتوسيعها ونقل المستوطنين الإسرائيليين اليها ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتهجير المدنيين الفلسطينيين، انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. وهكذا، فإن تأييد ترامب لسيطرة إسرائيل الكاملة على المدينة، انما هو مصادقة على وضع غير مشروع. لقد وضعت الخطوة التي اتخذها ترامب، حداً لحل الدولتين الذي توخى في وقت سابق إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما تقوض الادعاء الشكلي بأن الولايات المتحدة هي وسيط نزيه بين الطرفين. (على أي حال، فإن فكرة تعيين شخص غير كفء وذي نوايا خبيثة مثل صهر ترامب، غاريد كوشنر، للإشراف على مفاوضات السلام، يثير السخرية). ان القبول بمطالبة إسرائيل بالقدس ليس بالأمر المحايد كما يزعم ترامب. فهو يحول دون تحقيق مطالب الفلسطينيين، لأنه من دون القدس الشرقية، لا يمكن ان يكون هناك حل على أساس الدولتين. رؤية قاتمة فبدلاً من ذلك، فإن ما تقوم به الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب هو المصادقة على التوقيع على رؤية قاتمة من الفصل العنصري العنيف والظلم وعدم المساواة. وليس من الواضح وغير المحتمل ما إذا كان الرئيس قد فكر ملياً في ذلك، ولكن الأمور على أرض الواقع في القدس التي تسيطر عليها إسرائيل – وكذا في جميع الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية – تتواءم بسلاسة مع المشهد الأيديولوجي لسيادة العنصر الأبيض ومعاداة الإسلام. ولا عجب إذن، أن تستقبل حكومة إسرائيل اليمينية فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة بفرحة غامرة. ومع ذلك، لن يكون من السهل تسويق هذه الرؤية إلى الجمهور الأوسع في الولايات المتحدة أو في العالم. لقد استطاعت إسرائيل مواصلة سياسات الفصل العنصري لفترة طويلة، لأنها غلفتها بقشرة رقيقة من الديموقراطية والبحث الزائف عن السلام. إن موت حل الدولتين وتكريس أشكال التمييز التي تزداد وضوحاً في الدولة الواحدة سوف يظهر هذه السياسات على حقيقتها غير الشرعية. ومن الغريب أن ما يبدو وكأنه انتصار للفصل العنصري الإسرائيلي قد يتحول الآن إلى نقطة تحول على طريق زوال هذه الدولة، في نهاية المطاف. * ساري مقدسي هو أستاذ اللغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا. وهو مؤلف «فلسطين من الداخل: الاحتلال اليومي». ¶ لوس انجلوس تايمز ¶
مشاركة :