هل مازالت بغداد ملهمة للشعراء والمطربين؟ بقلم: صباح ناهي

  • 12/14/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

العراقيون الذين غنوا لبغداد كثر وكأنهم اكتووا وتولعوا وكلموا فيها بالقرب والبعد عنها، يدركون أن لا فضل لهم سوى تعبير عن فرط محبتهم لمدينة لا يرون سواها.العرب صباح ناهي [نُشر في 2017/12/14، العدد: 10842، ص(24)] كما ألهمت بغداد الشعراء طيلة وجودها، فقد غنى لها المئات من مشرق الأرض ومغربها وتفخر بأنها تحتفظ في خزائنها بأصوات عربية كبرى غنت لها. فما من مطرب عربي إلا وله مع بغداد حكاية، إن زارها أو لم يفعل، لكنّ أغنيتي السيدة أم كلثوم وفيروز تتصدران قمة التألق في ذاكرة المجد البغدادي. غنت أم كلثوم “بغداد يا قلعة الأسود” أو “هنا بغداد” التي كتبها محمود حسن إسماعيل ولحنها رياض السنباطي ولها حكاية بأنها ولدت بطلب من القيادة المصرية تحيّة لثوار يوليو العام 1958، وجاءت لتغطي على أغنيتيها السابقتين “شعب العراق الحر ثار” و”الشمس مالت للمغيب” الأقدم منهما، فهدير صوت السيدة وروحها الوثابة حماسا خلدّا لحظات الثورة، وحيا عاصمة الرشيد التي خاطب هارونها الغيوم “أينما تذهبين فإن خراجك لي”. ولأغنية بغداد والشعراء والصور للسيدة فيروز الصدارة، وكاتبها المعلن منصور الرحباني، لكنّ الكثيرين يرجحون أنها لسعيد عقل لبلاغة صورها التي يرجّح أنها من منظومة عقل. هاتان الأغنيتان تشكلان علامتان في تاريخ زهو عاصمة الرشيد يفاخر المجد العراقي بهما، فقد طغتا على كل ما قبلهما وبعدهما، صورا وإيقاعا ومعنى ولحظة تأريخية لن تتكرر. بين الأولى للسيدة أم كلثوم والثانية لفيروز ثمانية عشر عاما، كانت بغداد تعيش زهو مجدها وإليها تهفو النفوس وتدار الأعين، وقد سعى الكثيرون بعدهما إلى الغناء لبغداد من بينهم دلال الشمالي بقصيدة “من قاسيون” لخليل خوري ووردة الجزائرية بأغنية تعبوية بعنوان بغداد “أم الثائرين” كتبها العراقي علي الياسري، وغنت المغربية سميرة سعيد “عراق الكرامة”، و”سلاما يا عراق”، وأغنية لسوزان عطية “بلاد السناء” ولطفي بوشناق، وسواهم الكثيرون. لكني لن أنسى أغنية لوديع الصافي ارتجلها في المسرح الوطني ببغداد، بعد أن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها. تألمت كثيرا لأن مخرجا “عبقريا” لم يسجلها. كنت أرقب الصافي وهو يرقص على المسرح طربا وهو يهزج لبغداد، لكنها اختفت ولم يستمتع لها إلا من حضر. العراقيون الذين غنوا لبغداد كثر وكأنهم اكتووا وتولعوا وكلموا فيها بالقرب والبعد عنها، يدركون أن لا فضل لهم سوى تعبير عن فرط محبتهم لمدينة لا يرون سواها. الذي يجعل من بغداد أغنية بدأت ولم تنته أنها تختزن الآلاف من القصائد، ويلتمع وجهها بشعراء طلبوا المجد منها وعشقوها من شاعرها الأرفع المتنبي وأبونواس وابن زريق البغدادي حتى الجواهري وعبدالرزاق عبدالواحد ومصطفى جمال الدين، إلى آخر شاعر شاب ينتسب لشجرة الإبداع البغدادية، تظل ملهمة مهما خبا زمانها وكلّ شعرائها. صباح ناهي

مشاركة :