ربيع بغداد في العام الجديد بقلم: صباح ناهي

  • 1/4/2018
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

خرج الملايين من بين بيوتاتها، ليحتفلوا في العام الجديد، برغم إنها مناسبة تنسب للمسيحيين، لكنهم لبسوا أجمل ما لديهم وغسل الفقراء ملابسهم وخرجوا للشوارع ليغنوا مع شعبهم الكلداني والأشوري.العرب صباح ناهي [نُشر في 2018/01/04، العدد: 10859، ص(24)] قاب قوسين أو أدنى تعلن بغداد عن ربيعها الجديد، نعم ربيعها، وليس خريفها الذي مرّ طويلا مملا وقحا برموزه وشخوصه ولحاه، التي ملأت المكان بالقتلى والبارود، وشوهت صور الزمان بأفعال وحكايات تأنف عاصمة الرشيد عن ذكرها أرجؤوا اختزانها في ذاكرة منجزاتها التي لا تنتهي، وهي التي حكمت الدنيا خمسة قرون عاصمة المجد وأم العلوم والثقافات، والتراجم والتآليف، وكانت محجة الشعراء والعلماء والمؤلفين الذين يقدمون لبلاط حكامها من أصقاع الأرض، ويأخذون مقابل وزن مؤلفاتهم ذهبا. لا تقبل بغداد بغير الحرية والانعتاق، ولا تحترم إلا البناة المعمّرين العشاق المعاميد، وتنظر بريبة واحتقار للصوص والفاسدين الذين اقتحموا حصونها بغفلة من الزمن، وتأمل أن يرّعوا عن غيهم، وضلالتهم بعد أن أسرفوا، وهي تراهم يعبثون في مقدرات أهلها وسكانها، وزوارها والماكثين فيها والمستجيرين بعزها ومخربي متاحفها ومسارحها، وسارقي حلم صباياها. تأنف بغداد أن تعطي السراق اسما واحدا مخلّدا من شوارعها ومحلاتها، وجسورها، ومقاهيها، وتسبغ المجد كل المجد لعشاقها وشعرائها ومهندسيها والمضحين في سبيلها، إن قبل سلاطينها وولاتها أو لم يقبلوا. خرج الملايين من بين بيوتاتها، ليحتفلوا في العام الجديد، برغم إنها مناسبة تنسب للمسيحيين، لكنهم لبسوا أجمل ما لديهم وغسل الفقراء ملابسهم وخرجوا للشوارع ليغنوا مع شعبهم الكلداني والأشوري، محّولين حفلة رأس السنة إلى إعلان جماهيري صارخ بأنهم يقدسون الحياة، لا الأشخاص، وهزّ المشروع الطائفي وأعلن موته، بأن المجتمع لا يقبل إلا بسلطة مدنية وحكم علماني، وأن الدين لله والوطن للجميع، وأن الدولة للناس وليس لأصحاب المشاريع الدينية رياء، أنه بمثابة استفتاء عفوي لم تخطط إليه جهة سياسية أو يتبناه مشروع حزبي. هو تعبير مجتمعي حي، بأن الناس تخلصوا من هيمنة الإرهاب، وتماهوا مع وجدان وتقاليد درج عليه المجتمع بالاحتفاء بالعام الميلادي، بمرح وثقة يتوخون الأمل بالخلاص من القيود والتقاليد المحبطة والمقيدة، الوافدة عليهم، هم يفهمون الإيمان بعقولهم ويتحسسون دفئه بقلوبهم، لكنهم ينشدون الحرية والخلاص من زيف الظروف التي فرضتْ عليهم التقوقع والتوجس والرهبة من شبح التفجيرات، غير مبالين، ليرقصوا ويغنوا، كأي مجتمع في الدنيا، وهم يستقبلون عاما أخر سيشهد انتخابات مفصلية، علّها تزيح عنهم وجوها كالحة، ختمت بشمع الفساد الأحمر، سيدافع البغداديون بل كل العراقيين عن حياتهم بدولة مدنية لا محالة. صباح ناهي

مشاركة :