كتب: عبدالعزيز الشعباني 2017/12/14 الرئيس الزيمبابوي (الذي خُلع قبل أسابيع) عندما كان رئيساً للاتحاد الإفريقي قال: «إن إفريقيا بلا شك ستقف على قدميها اقتصادياً بفضل الصين». وأما الرئيس الكيني أوهورو كينياتا فقال في مقابلةٍ صحيفة معه: «إن الصين تختلف عن الدول الغربية، بتركيزها على حاجات إفريقيا وليس على حاجاتها الخاصة فقط»! وهكذا هي رؤية ورأي معظم شعوب القارة السمراء رؤساءً ومواطنين تجاه الصين التي رأت - ومنذ وقتٍ مبكر - أن القارة الإفريقية بجزئها والجنوبي خصوصاً هي (المستعمرة) الأولى لها وبطريقتها الاستعمارية الخاصة بها والحديثة وهي «الناعمة»، الصين غزت - وما زالت - العالم بصناعاتها التي لا يخلو بيت ولا شركة حول العالم منها، حتى أصبحت تناطح الاقتصاد الأول عالمياً وهي الولايات المتحدة الأمريكية بجبروتها الاقتصادي، ولكن الأمر في إفريقيا يختلف تماماً، فهي تولّت إحياء البنية التحتية لمعظم دول المنطقة وكذلك شق أراضيها وجبالها بأحدث ما صنعته الصين من وسائل نقل، وفيما الصينيون العاملون ينتشرون في الدول الإفريقية ينتشر بالمقابل في أرجاء الصين الطلبة والتجار الإفريقيون، بل وصل أن يكون أطباء أفارقة يتحدثون الصينية ويعالجون الصينيين بطبهم الشعبي. وقد حلّت الصين في المرتبة الأولى من حيث الدول الأكثر استثماراً في إفريقيا خلال الفترة من 2015 – 2016م، حيث قدر حجم استثماراتها بنحو 38.4 مليار دولار تلتها الإمارات (14.9 مليار دولار) بينما جاءت إيطاليا في المرتبة الثالثة (11.6 مليار دولار) متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية التي قدر حجم استثماراتها بنحو 10.4 مليار دولار وذلك وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وانتزعت الصين عن جدارة هذه المرتبة على مستوى دول العالم بفضل شركتها النفطية الوطنية التي قامت لوحدها بتنفيذ 70% من هذه الاستثمارات. دبي الشرق الإفريقي جيبوتي، من أهم الدول الإفريقية التي تمددت الأيدي الصينية اقتصادياً وعسكرياً فيها، حتى أن شركات صينية أعلنت عن نيتها تحويل جيبوتي إلى «دبي الشرق الإفريقي».. وذلك باستغلال موقعها الإستراتيجي كمفتاح لباب المندب! وخلال العام الحالي أصبحت جيبوتي أول دولة تقيم فيها الصين قاعدتها العسكرية الأولى خارج أرضها لضمان أمن الممرات البحرية الإستراتيجية، وشجع الرئيس الصيني عند إعلان ذلك القوات العاملة في القاعدة بترسيخ صورة جيدة للجيش الصيني وتعزيز الاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي. أما في تنزانيا فمن ضمن البنى التحتية التي انتهت من تشييدها الصين مؤخراً جسرٌ يعد الأهم في شرق إفريقيا والأول من نوعه هناك بتكلفة 135 مليون دولار أمريكي وافتتحه الرئيس التنزاني. الطب الصيني في إفريقيا أما طبيّاً، فقد أرادت الصين أن تبعث برسالةٍ مفادها أن العلاقات تتجاوز المصالح والمنافع المتبادلة، فعلى مدى 50 عاماً مضت أرسلت أكثر من 20 ألف طبيب إلى 51 دولة في إفريقيا، وما زالت الفرق الطبية تُسيّر من الصين إلى دول إفريقية فقيرة بلا أي مقابل -أحياناً كثيرة- تأخذه من المرضى أو الدولة ما جعل الصين تبدو في أعين الكثير من الأفارقة الأكثر رحمةً من الدول الغربية الاستعمارية. ومن ضمن القصص التي انتشرت عن الأطباء الصينيين في إفريقيا، ما حدث مع طبيب وزوجته في مدينة واو جنوب السودان حينما اشتعلت الحرب الأهلية وهرب الأطباء والممرضون لينجوا بأرواحهم ما عدا ذلك الطبيب الذي آثر وزوجته الجلوس في عيادتهما واستقبال المرضى وجرحى الحرب ومعالجتهم بالمجان. العلامات الصينية التجارية جاءت شركات وعلامات تجارية صينية في المراتب الأولى في القارة الإفريقية، بل تصدّرت خمس علامات تجارية صينية ترتيب أفضل 100 علامة تجارية عالمية في إفريقيا، وهي على التوالي: هواوي، ستارتايمز، تكنو، إيتل وإينفينكس. تضمّن ترتيب «أفضل 100 علامة تجارية في إفريقيا» لعام 2016 - 2017م الصادر عن موقع العلامات التجارية الإفريقية، 5 علامات تجارية صينية، هي على التتالي: . بينها تكنو التي جاءت في المرتبة ال14، متقدمة على بيبسي كولا وميكروسوفت؛ وجاءت إيتل في المركز ال25، متقدمة على اتش بي وجوجل، كما تضمّن ترتيب المئة 24 علامة تجارية أمريكية. وبالمقارنة مع العلامات الأمريكية، لاتزال العلامات الصينية غير مشهورة، لكنها تمتلك تنافسية عالية مع العلامات اليابانية والألمانية. وتعد الاتصالات والهواتف وأجهزة التلفاز الرقمية وغيرها من القطاعات مجال تطور العلامات الصينية في إفريقيا في الوقت الحالي. ويشير مهنيون إلى أن العلامات التجارية الصينية بصدد المساهمة في دفع التنمية الاقتصادية الإفريقية، فمثلاً أسهم دخول شركات الاتصالات الصينية إلى إفريقيا في تطوير صناعة الاتصالات بهذه القارة السمراء، فسابقاً كانت الدول الإفريقية تدفع نفقات عالية للشركات الأمريكية والأوروبية لتأسيس المحطات الأساسية، في حين أسهمت هواوي في تخفيض تكلفة الإنشاء بعد دخولها السوق الإفريقية، وهو ما أتاح لمزيد من السكان الاتصال بالإنترنت. وفي السودان يقول مدير إحدى شركات الاتصالات: إن العلامات التجارية الصينية كانت ينظر إليها سابقاً على أنها منتجات رخيصة وسيئة الجودة، ولكن في السنوات الأخيرة، استطاعت الشركات الصينية أن تقلب انطباع المستهلكين تجاهها، حيث باتت العلامات الصينية في إفريقيا أكثر قوة، ويضيف: العلامات الصينية إلى جانب جودتها الجيدة، استطاعت أن تتأقلم مع حاجيات المستهلك الإفريقي، وتصنع منتجات تحظى بإقبال واسع داخل السوق الإفريقية. ومن جانبٍ آخر، ومع ارتفاع مستوى الابتكار في العلامات الصينية، استطاعت أن تدخل التقنية إلى إفريقيا، حيث تعد الشركات الصينية أكثر انفتاحا في هذا الجانب من الشركات الأمريكية والأوروبية في إفريقيا. وفي ذات السياق، أشار مسؤول استثماري بجنوب إفريقيا إلى أن العلامة الصينية «هايسنس» باتت تتصدر مجال بيع التجزئة للأجهزة المنزلية في جنوب إفريقيا، وهذا يعود أولًا -بحسب قوله- إلى جودة منتجاتها، وكذلك إلى نجاحها في نقل خطوط إنتاجها إلى داخل إفريقيا. ويرى محللون أن العلامات الصينية قد دخلت مرحلة السرعة في مسيرة تطورها بإفريقيا، مع تحقيقها تقدماً كبيراً على مستوى التكنولوجيا والقوة، كما تشهد صورة «صنع في الصين» منعرجاً كبيراً، حيث باتت تحظى بثقة متزايدة لدى المستهلكين في إفريقيا. السياحة والثقافة التقليدية سياحياً، باتت كثير من الدول الإفريقية مقصداً سياحياً مهماً وجذاباً بالنسبة للصينيين الذين أصبحت كثير من دول العالم تخطب ودهم بالتسهيلات وإلغاء التأشيرات كي يزوروها سائحين لازدياد أعدادهم عاماً بعد عام والمبالغ الضخمة التي يضخونها في البلدان التي يزورونها. السودان على سبيل المثال اعتمدتها الصين مؤخراً كمقصد سياحي رسمي، وقد وصل أول فوجٍ من السواح الصينيين إليها في سبتمبر الماضي، وأعلن مسؤولو السياحة في الصين أنهم يهدفون إلى تفويج مليون سائح صيني إلى السودان خلال العام المقبل! عدا ذلك فقد انتشرت أخيراً معاهد كونفوشيوس الصينية المهتمة باللغة الصينية وآدابها وثقافتها في بعض الدول الإفريقية وما زالت في ازدياد وهي التي وصل عددها حول العالم أكثر من 500 معهد بدعمٍ حكومي غير ربحي. الفائدة المتبادلة قد يقول قائل إن كل ذلك نوعٌ من الاستعمار لقارة كثيرٌ من دولها فقيرة ولا تملك إلاّ معادن وثروات طبيعية لا تستطيع استخراجها بنفسها، ولذلك يكون هنا الجواب أيضاً في أن الصين عندما نافست الكثير من الدول لاستخراج الثروات الإفريقية الطبيعية وتشييد البنية التحتية للدول فهي لن تنسى ما يعود عليها بالفائدة الكبرى من ذلك، ولكنها زادت في عطائها لتنشر ثقافتها بين الأفارقة وسهّلت لأبنائهم المجالات التجارية والدراسية حتى أضحى هناك الآلاف ممن يتحدثون اللغة الصينية منهم ولا تقف الخطوط الجوية ذهاباً وإياباً بين الصين والدول الإفريقية حتى أصبحت هذه العلاقة المتزايدة مع الزمن موضوعاً ساخناً في الصحف الغربية تحليلاً ومناقشةً ورسماً كاريكاتورياً. والصين كقوة اقتصادية كبرى تسعى كغيرها للحصول على موارد القارة الإفريقية الغنية بالموارد والفقيرة في استغلالها، ويذكر في هذا المسلك شراء الصين حق السيطرة على منجمين رئيسيين من النحاس في زامبيا، وتسعى الصين إلى النفط والمعادن والامتيازات أو الاتفاقات التجارية المتعلقة بالموارد في جميع أنحاء القارة. inShare Save اضف رد الإسم * البريد *
مشاركة :