جاليليو جاليلي.. شرارة الثورة العلمية

  • 12/16/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود لحظة التأسيس الأولى لأي علم أو مجال معرفي، تظل حاسمة في اتجاهات الفكرة المعينة، وفي تأثيرها في الذين أخذوا بها وطوروها، فالكثير من المكتشفات العلمية القديمة تبدو بسيطة مقارنة بمكتشفات عصرنا الحالي، لكن لا شك أن هذه المكتشفات البسيطة، هي التي شكلت رصيداً كبيراً ونقطة انطلاق لبداية العلوم، كذلك فإنها حملت أفكاراً ومواقف فلسفية، فالكثير من العلماء انطلقوا في رحلتهم البحثية من موقف تأملي من الكون والوجود، وربما يعتبر الإيطالي جاليليو جاليلي (1564 1642م)، من أشهر العلماء في مجال الفيزياء والرياضيات الذين شكلت اكتشافاتهم فتحاً كبيراً في مجال العلوم، وفي انطلاقة شرارة الثورة العلمية.أدخل جاليليو تحسينات على التليسكوب، وترتب على ذلك نقلة كبيرة في الأرصاد الفلكية، ووضع فرضياته الشهيرة عن الحركة وسقوط الأجسام، والقانون العام للتسارع الذي تخضع له جميع الأجسام في الكون، وقام بتأييد نظريات كوبرنيكوس التي كانت تقول إن الارض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس، وهو ما خلق انقلاباً كبيراً فيما كان سائداً من اعتقاد بأن الأرض هي محور الكون، الأمر الذي اعتبر تحدياً للسلطة الدينية والآراء التي تتبناها، واليوم ينظر إلى جاليليو باعتباره «مؤسس علم الأرصاد الفلكية الحديث»، و«مؤسس الفيزياء الحديثة»، و«مؤسس العلم الحديث». يبحث كتاب «اكتشافات وآراء جاليليو»، لستيلمان دريك أستاذ تاريخ العلوم في جامعة تورنتو، الصادر عن مشروع «كلمة»، بترجمة كمال محمد سيد وفتح الله الشيخ، في معالم غائبة في اكتشافات جاليليو وحياته، والتي تتمثل في مواقفه الفكرية والفلسفية التي شكلت البناء المعرفي لاختراعاته وبحوثه وأطروحاته العلمية، فهو صاحب فضل كبير في جوانب العلم الحديث المتعلقة بالمناهج البحثية ومعيار الصدقية، حيث عمل بشكل مستقل عن مؤثرات السياسة والأفكار السائدة حينها، كما أن كتابته راعت كثيراً أن تصل إلى عامة الناس بعيداً عن الحمولة الأكاديمية الثقيلة، فالرجل لم يمض في رحلة استكشافية هادئة، بل حاصرته المنغصات، ربما أبرزها السلطة السياسية، والنخبة المتعلمة التي كانت تؤيد تلك السلطة.يقوم عماد الكتاب على الموضوعات العلمية والفلسفية التي تناولها جاليليو ويستعرض أربعة أعمال كتبها، وهي «رسالة فلكية وخطابات عن البقع الشمسية وخطاب إلى الغرندوقة كريستينا»، وتضمن الكتاب مقدمة سرد فيها تفصيلاً للأحداث والوقائع التي حثت جاليليو على كتابة هذا العمل ما يضع القارئ مباشرة في المناخ الحقيقي والظروف التي تعرض لها جاليليو عند طرح أفكاره في وجه معارضيه من الفلاسفة ورجال الدين، فقد حمل الرجل أفكاراً مختلفة وجديدة على ذلك الواقع، وتمت مواجهته بحرب ضروس، الأمر الذي وضعه في سجل أعظم العلماء الذين عرفتهم البشرية، والذين أدهشوا العالم وأسهموا في تغيير العالم بشكل كبير.يستشهد الكتاب بإشارات الكاتب الإيطالي جاكومو ليوباردي، عندما ذكر أن التطور المستمر في العلوم قد حجب إسهامات بارزة لعلماء سابقين كان لهم فضل البدايات العلمية، واتخذ جاليليو كمثال على ذلك عندما تساءل: «من الذي يقرأ اليوم أعمال جاليليو»، مشيراً إلى شهرته في زمنه، وأن أي فيزيائي عادي اليوم تعتبر أعماله أفضل من جاليليو، ولكن التطور في العلوم لا يحجب فضل المخترعين والعلماء السابقين، ويرى ليوباردي أن هنالك الكثير من الأدباء والشعراء السابقين ما زلت أعمالهم تحمل قيمة كبيرة، فما زال الناس يقرؤون لهوميروس وأفلاطون، ليس لأن أعمالهم قد كتبت بعناية فقط، بل لأنها كذلك تلقي الضوء على الشعر والفلسفة، وهذه أمور لا تخلو من قيمة حقيقية وجاذبية لبقية جموع المثقفين. وبالمثل فإن أعمال جاليليو قد كتبت بعناية، وتلقي الضوء على أصول الفيزياء الحديثة، وبناء على ذلك، وحتى لو كان القليل من العلماء مهتمين في الوقت الحالي بهذه الأعمال، فإن هذا لا يستوجب عدم اهتمام الآخرين بها. كان جاليليو مختلفاً في كل شيء، حتى في حياته الجامعية التي قطعها من أجل أن يعتمد على نفسه في الاطلاع على الرياضيات، جاعلاً من تبسيط العلم هدفاً استراتيجياً لا يتحوّل عنه، وهو الأمر الذي جلب له المتاعب العديدة، لكن في ذات الوقت رفعت من مقامه حتى صار أيقونة الاستقلالية الفكرية والعلمية، وقد وجد كثير من معاصريه من الفلاسفة والعلماء في طريقته هذه هدماً للفلسفة، إذ إنه يشرك فيها العامة، وقد سار جاليليو في هذا الطريق الوعر متحدياً السلطة الكنسية والسياسية، وكذلك سلطة الأكاديميين.

مشاركة :