جيهان شعيب، محمد بركات تعد السنوات الست الأولى في عمر الطفل من الأهمية بمكان في تشكيل وجدانه العقلي، وتطور نموه الإدراكي، وتكوين رؤيته تجاه ما يجري حوله من يوميات الحياة، بما يجعل الفترة العمرية الأولى، اللبنة الأساسية في إفراز منتج إنساني واعٍ وواعد، حيث كل ما تختزنه الذاكرة الصغيرة في باكورة أيامها، يسهم في ترسيخ الشخصية السليمة، المكونة على أسس صحيحة الفكر، منضبطة السلوك، متماسكة التركيبة النفسية.لأن كل ما يلقن للطفل في فترته تلك من الضروري أن يكون مدروساً، ومدققاً فيه، نجد أن معظم أفلام الكرتون التي يتابعها أغلبية الصغار، تضرب عرض الحائط بالمفترض أن يكون، أو ما يجب أن يوجه لهم، وما يعمل على تكوين فكرهم ومداركهم وتصرفاتهم، حيث تُسطح عقلياتهم من خلال الأفلام والبرامج الساذجة التي تهمش بشكل عام التفكير والرؤية، فضلاً عن الأفلام الكرتونية الأخرى التي تنمي داخل نفسية الطفل، العدوانية والكراهية والعنف.أفلام الكرتون الهادفة تسهم بشكل أساسي في إيجاد أطفال على قدر كبير من الوعي والمعرفة، بما يستلزم قيام أخصائيين نفسيين وتربويين على وضعها بشكل مدروس، وحول ذلك تدور المتابعة الآتية، التي يبدأها محمد راشد رشود، نائب رئيس مجلس أولياء أمور الطلبة والطالبات بدبا الحصن، مبيناً أن تأثير الأفلام الكرتونية على عقول الأطفال يعد تأثيراً سلبياً، خاصة إذا بدؤوا بمشاهدتها في سن مبكرة من الشهر السادس، وكذلك إذا استمروا عليها لسنوات أخرى يكون تأثيرها عليهم تراكمياً، ويؤدي على المدى البعيد لنتائج سلبية وخطيرة في سلوك الطفل اليومي، كالتغيير في الكلام من خلال استخدامه لألفاظ وأساليب كالتي يسمعها.كما أن الطفل من خلال تلك المشاهدة باستمرار يتعلق بالشخصية أو البطل الكرتوني، ويحبذ أن تكون مقتنياته صوراً لهذا البطل مثلاً، وينتقل هذا السلوك فيما بعد إلى المدرسة ويحتاج إلى فترة حتى يتأقلم مع الجو المدرسي، ولربما لا يتأقلم ويؤدي إلى انحراف سلوكي، خاصة إذا كانت هذه الأفلام تعرض كماً كبيراً من موادها الفيلمية للعنف والخيال والسحر، وتسيء للعقائد الدينية؛ لأن معظم هذه الأفلام تعرض من بيئات غير بيئاتنا، لذا تبث سموماً قاتلة.وللأسف نرى بعض الأمهات خاصة المتعلمات منهن، عندما يردن أن يهدئن الطفل نتيجة البكاء أو الصراخ، يلجأن إلى عرض الأفلام الكرتونية من التلفاز أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى، لتهدئة أطفالهن، وهذا خطأ فادح بحق أطفالهن.لذلك فالموضوع مهم وخطير ويحتاج إلى توعية من قبل المؤسسات المعنية بالأسرة والطفولة، وكذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ويجب أن تكون هناك رقابة ذاتية من الأسر على هذا الأفلام الكرتونية التي يشاهدها أطفالهم، ويجب أن تكون هناك قنوات خاصة للأطفال من بيئتنا المحلية. إعاقة تطور الشخصية ويوضح الدكتور أحمد العموش، أستاذ علم الاجتماع التطبيقي في جامعة الشارقة، أن أغلبية أفلام الكرتون تجعل الطفل عرضة للتأثر من حيث حب المغامرة والتقليد، وكثرة شرود الذهن الذي يجعله يعيش بخيال واسع بعيداً عن الواقع، فتصيبه بالعزلة والعنف، فتطبيق الأطفال لما يشاهدونه من أشياء سلبية على إخوانهم أو زملائهم، يمكن الخوف والهلع منهم، ويصابون بالقلق والتوتر، حتى يصبحوا سلبيين وانطوائيين، يخشون المصاعب ويهربون من مواجهتها. ويقول: «الطفل يعيش في الخيال الذي تقدمه له هذه الأفلام الكرتونية، وينسلخ من الواقع عبر جلوسه لساعات طويلة أمام الشاشة، فيستسلم لها من دون أن يفعل شيئاً سوى الإنصات بلا حراك، فالشخصيات الكرتونية تعيش له، وتفكر له، وترى له، وتسمع له، وتعطيه الحلول الجاهزة المطلوبة، وهي بذلك تعطّل قوى الفكر وتعوق تطور الشخصية واستقلالها.وعلى الأسر المسؤولية الأولى في تكوين شخصية أطفالهم، التي تتشكل في أول 4 سنوات»، مؤكداً ضرورة مراقبتهم من خلال تحديد البرامج التي يشاهدونها ومدتها، والاستعاضة عنها بتمارين رياضية وذهنية وحسية، لتنشيط فكرهم الإبداعي والابتكاري، واختيار أفلام تربوية هادفة تعلّم الطفل الصفات النبيلة. العزلة التامة للطفل وترى الدكتورة سامية أبل، استشارية الطب النفسي في مستشفى راشد، وهيئة الصحة بدبي، ورئيسة جمعية الإمارات للصحة النفسية، أن خطورة الأفلام الكرتونية تكمن في مشاهد الرعب والعنف التي يتعلمها الأطفال وترسخ في أذهانهم، وتلقنهم الأفكار البعيدة عن العادات والتقاليد والقيم العربية، مما يضعف ارتباطهم بالثقافة المحلية واللغة العربية، بسبب المحتوى الغريب الذي تتضمنه بعض الأفلام الكرتونية، التي تؤثر في شخصية وعقول الأطفال على المدى البعيد.وتوضح أن الأفلام تتسبب في العزلة التامة للطفل، فيفضل كثيراً مشاهدة تلك الأفلام على الجلوس والاندماج مع الأهل وتبادل الحديث معه، وحذرت من أن يغفل الآباء والأمهات عن متابعة ما يشاهده الطفل، ونصحت بتبادل الحديث معه، وتنمية مهارات أخرى أكثر إفادة له، كالقراءة وممارسة الرياضة.وشددت على ضرورة فرض الرقابة المشددة خلال التعاون مع الجهات المتخصصة، وإطلاق القنوات المتخصصة والهادفة إلى تعليم الأطفال وتثقيفهم، وتربيتهم على القيم والأخلاق مثل قناة ماجد. خطر الإصابة بالعدوانية كشفت دراسة أمريكية حديثة، أن الأطفال ما بين سن عامين إلى خمسة أعوام، الذين يتابعون مشاهد عنف بالتلفاز، من خلال الأفلام الكرتونية لمدة ساعة في اليوم، يزداد لديهم احتمال أن يتسموا بالعدوانية الشديدة في مرحلة عمرية لاحقة من طفولتهم، ولكن هذا الاحتمال قد لا يثبت عند الفتيات.ووجدت الدراسة التي أجريت على 481 طفلاً، منهم 52 طفلاً كانوا يعانون مشكلات خطيرة ترتبط بالعنف، وكانوا يحرصون على مشاهدة عنف بالتلفزيون لمدة ساعة واحدة على الأقل يومياً في المتوسط، أن احتمال تصنيفهم بهذه المجموعة كان أرجح 3 مرات من أولئك الذين لم يشاهدوا مواد عنف، لافتة إلى أن كثيراً من الآباء ليسوا على دراية بأن العروض الكرتونية وألعاب الفيديو والأفلام التي يشاهدها أطفالهم، تنطوي على عنف، وليست مناسبة لتلك الفئة العمرية، حيث إنهم لم يستطيعوا في هذه السن الصغيرة التمييز بين الخيال والواقع، حيث يتعلم الأطفال من العنف بأفلام الرسوم المتحركة، أنه مرح، وليست له أية عواقب تذكر، لافتة إلى أنه عندما تدمر رأس شخص في فيلم رسوم متحركة ويعود سليماً ويضحك عليها الأطفال، فإنهم يعتقدون بالفعل أنه ليست هناك عاقبة خطيرة من ضرب شخص ما في رأسه، والأمر غير صحيح في عالم الواقع.كما كشفت دراسة أمريكية مفزعة تتعلق بالعنف الناجم عن أفلام الكرتون، أن «أحد الأفلام احتوى على 40 حالة انتحار، و27 معركة بالأيدي، وأضعافها بأسلحة خرافية، و22 عملية اغتيال، و21 مشهد نزاع»، مؤكدة خطورة بثّ هذا الكم من العنف، لانعكاسه سلبياً على سلوك الأطفال، ولتأثيره الخطير على مستقبلهم، وبالتالي على أمن وأمان بلادهم.
مشاركة :