لم يكن عادياً احتشاد سكان قرية «الكرم» في محافظة المنيا المصرية، لمشاهدة عرض مسرحي في ساحتها. القرية التي شهدت صدامات طائفية العام الماضي استدعت تدخُّلاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتجاور سكانها في مقاعد المتفرجين ويبتسمون خجلاً مما اقترفت أيديهم، لدى عرض مشاهد مستلهمة من معاملة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للمسيحيين. تراصوا في صفوف طويلة عُزلت فيها النساء عن الرجال، لمشاهدة مسرحية «كأنك تراه» (من إنتاج الدولة. تأليف نسمة سمير وإخراج ماهر محمود)، وبدوا تائهين بعد المشاهدة، كأنهم في مراجعة مع النفس وصلت إلى حد البكاء لدى قليلين، فالمسرحية التي تعرضت للتّشدُّد الديني ومعاملة المسلمين أهل الكتاب من منظور السيرة النبوية، نكأت جراح القرية التي شهدت اشتباكات بين مسلميها ومسيحييها سقط خلالها جرحى، وجُرّدت مُسنّة مسيحية من ملابسها، في واقعة غير مسبوقة في تاريخ الريف المصري. قرية الكرم التي تعاني تردّياً واضحاً في الخدمات ويظهر على سكانها فقر مدقع، بدت شغوفة بأول مسرحية تُعرض في ساحتها غير الممهدة، إذ هبّ أهلها رجالاً ونساء وأطفالاً للمشاهدة، حتى من فوق سطوح البيوت المحيطة بمكان العرض. قال رئيس «البيت الفني للمسرح»، وهو جهة الإنتاج المسرحي الحكومية، إسماعيل مختار: «العرض في قرية الكرم أثبت أن الجمهور متعطش للمسرح. محافظات الصعيد في الجنوب لا يصلها المسرح بشكل جيد، لذا سنحاول العمل على نشر ثقافة المسرح في الجنوب». وأوضح أن مسرحيات تُعرض حالياً في الأقصر وأسوان وأسيوط، وتلك السياسة ستستمر. وظهر أن رواج مسرح «الفضاءات المفتوحة» في الجنوب أغرى «البيت الفني» لمجاراة فرق الهواة الشبابية في اقتحام تجربة «مسرح الشارع»، للمرة الأولى، إذ يعكف «مسرح الشباب» التابع للبيت الفني على إنتاج مسرحية «جمهورية الطوب الأحمر»، المقرّر تقديمها في شوارع وسط القاهرة الشهر المقبل. وقال مدير فرقة «مسرح الشباب» عادل حسان إن العرض يتناول التأثيرات السلبية للبناء على الأراضي الزراعية، ما أفقد مصر مئات آلاف الفدادين من رقعتها الزراعية، وبات يُهدد الأمن الغذائي. وسيكون «شارع المعز» التاريخي أول فضاء لعرض المسرحية، ثم ينتقل إلى شوارع أُعيد تأهيلها ضمن خطة تطوير أحياء القاهرة الفاطمية.
مشاركة :