أكد الشيخ فريد الباجي عضو المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل لـ»المدينة» أن تونس نجحت في تحقيق نجاحات أمنية قوية على المتطرفين. ويعتبر الباجى أحد الرموز الدينية المتمسكة بالوسطية والاعتدال والتسامح وصاحب مؤلفات عديدة دينية وفقهية وخاض خلافا فكريا مع التيارات السلفية بمختلف تفرعاتها التي لم تتوان في تكفيره وتعنيفه في أكثر من مرة بعد أن شهدت تونس خلال الفترة الماضية أحداث عنف صدرت عن مجموعات متشددة دينيا بعد أن قامت بعض فصائلها بتكفير أغلب التونسيين. فالباجي المعروف برفضه لممارسات التيار السلفي حذر التونسيين من خطرهم ومن تنامي العنف الفردي والجماعي للفكر السلفي في تونس وعن غياب الاعتدال وحضور التطرف والإرهاب لدى بعض الشباب التونسي. الشيخ فريد الباجي قال لـ«المدينة»: إن الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: «إنما بعثت بالحنفية السمحة»، ومعنى السمحة أي ذات السماحة، وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت معلمًا ميسرًا ولم أبعث معنتًا ولا متكلفًا»، وهذا المفهوم الأساسي للإسلام الذي ورثناه عن علمائنا الزيتونيين، ولكن للأسف الشديد نتيجة للتصحر الديني الذي حدث في نصف القرن الأخير بعد غلق جامع الزيتونة، لجأ الشباب إلى عدة دول ليأخذوا الإسلام عن دعاة عرفوا بعقيدة متشددة وبفهم ظلماني حشوي سوداوي معكوس جزائي غير مقاصدي، ولقلة علمهم ولضعف عقولهم استغلوا من بعض الأطراف الخارجية التي لا تريد خيرًا للأمة العربية وللأمة الإسلامية واستعملوهم كقنابل موقوتة لتفجير الوضع في العالم العربي والشرق الأوسط ليشغلونا عن القضية الجوهرية التي هي القضية الفلسطينية.. فتونس ما بعد الثورة حدثت لها نكسة سياسية بكل صراحة ما كنا نتوقعها ووقفنا ضدها وهو ما يسمى العفو التشريعي العام. إن كثيرًا من الارهابيين الذين ثبت إدانتهم باستعمال السلاح والعنف وكانوا مسجونين، وبعد الثورة تدخل الإسلاميون أيضًا واليساريون باسم حقوق الإنسان وأطلقوا سراحهم ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أعطيت لهم رخص في جمعيات وصاروا يقومون بنشاط دعوي ضخم جدًا في البلاد تحت غطاء ما يسمى بحكومة الترويكا بالذات، ووجدوا دعما سياسيا من بعض السياسيين الإسلاميين وحتى من بعض الذين ينتسبون الى العلمانية مثل حزب المؤتمر من اجل الجمهورية بل كان يستدعى دعاة الفكر الجهادي الى قصر الجمهورية، فهذا الدعم السياسي وكذلك الدعم المالي بسبب تبرعات الجمعيات مع استقطاب بعض الدعاة المتطرفين الى تونس جعل لهم شوكة قوية ولكن الحمد لله نحن قمنا في تلك الفترة بحملة وطنية مع بعض العلماء والدعاة الزيتونيين المعتدلين لحماية عقيدة البلاد التي عرفت بالتسامح وبدأنا نضيق عليهم الأمر شيئا فشيئا والحمد لله نجحنا نسبيًا في تضيق الخناق وتحييد المساجد وإخراجهم منها نسبيًا وليس كليًا، كما نجحنا في الأيام الأخيرة في تحقيق نجاحات أمنية قوية جدًا حيث لا يكاد يمر يوم إلا ويقبض على متطرف متشدد يحمل سلاحًا أو يخطط لتفجير أواغتيال. ضبط الفين من الخلايا المتأهبة وبخصوص ما ذكره وزير الداخلية التونسي بأن المصالح الامنية منعت حوالى 9 آلاف شاب وشابة من التحول نحو سوريا قال فريد الباجي: الرقم الذي أعطاه الوزير صحيح بخصوص الذين تم منعهم من مغادرة البلاد لكنه لم يتكلم عن الذين يتواجدون في داعش وأنصار الشريعة وأنصار القاعدة في تونس وما يسمونهم بالخلايا النائمة ونحن نسميها بالخلايا المتأهبة وعددها هو ضعف عدد الذين منعوا من السفر، لذلك أنا أقول إن عددهم يقارب 20 ألفًا، وقد تم القبض على ألفين، وبصراحة هي تشكل خطرًا على تونس لكن هذه المجموعات الإرهابية أصبحت معروفة واحدًا واحدًا بأسمائهم ومواضعهم لدى السلطات المعنية وهم تحت المراقبة والمتابعة المباشرة وغير المباشرة، وتم تفكيك عدة خلايا والتحقيقات لا تزال جارية ولأن تونس دولة قانون ومؤسسات لا يمكنها أن تقوم بالقبض الجماعي على 20 ألفًا بطريقة عشوائية، ولكن في نفس الوقت قانون الإرهاب الذي بأيدينا الآن يؤسس، لا يساعدنا على محاكمتهم كما ينبغي، لذلك نحن مازلنا ندعو إلى التشديد في قانون الإرهاب، نحن في المركز التونسي للأمن الشامل والخبراء الأمنيين نسعى لتغيير قانون 2003 الذي يساعد على نشر الإرهاب. أجهزة استخبارتية تسعى لتدمير أمتنا - وهل توقف تجنيد الشباب للجهاد؟ ومن يجندهم؟ وهل حقا يذهبون للجهاد أم بقصد غرض آخر؟ * يجيبنا الشيخ فريد الباجي قائلا: حسب التحقيقات الأخيرة وعمليات القبض، يتم القبض على رجال ونساء ما زالوا يجندون شابات وشباب للقتال في سوريا والعراق وغيرها، وهؤلاء ما يسمون بتنظيم القاعدة عموما ولكن بالذات في تونس هم ينتمون الى أنصار الشريعة وجماعة عقبة بن نافع، وبخصوص أغراض ذهاب الشباب للجهاد هي متعددة، هي مادية في الأساس وهناك من كانت خلفيتهم مرضية لأنه اكتشفنا فيهم أناس مرضى نفسانيين بشكل حاد فاستغلوهم بهدف التفجير، وفيهم من خريجي السجون وأصحاب المخدرات والاغتصاب سابقًا وبائعي الخمور وهذا سمعته من فرقة مكافحة الإرهاب مباشرة حدثوني عن الذين يمارسون العنف من أصلهم فنحن نعرفهم، الغالب على هذا الصنف الجهل، السذاجة، الضعف العقلي، الاحتياجات المادية، والبعض منهم عنده عاطفة دينية صادقة ولكنه لم يفهم الدين على الوجه الصحيح، وفي النهاية هم ضحية لأننا نحن نعلم بأن هناك جهات استخباراتية تدعمهم بالمال والسلاح، وإن كانت الجهات الرسمية لا تريد أن تتكلم حتى لا تدخل في مهاترات دولية ولكن الحقيقة في الكمية الهائلة التي قبض عليها من الأسلحة الضخمة التي تحتاج إلى المليارات مثل الـ «آر بي جي» وأسلحة القنص وكاتمات الصوت هذه لا تصل إلى إنسان لا قدرة له على شراء سندويتش، وفجأة يملك آر بي جي، أظن الذي أعطاه هذا السلاح له غاية معينة وهو تدمير الأمة العربية والإسلامية، هناك أجهزة استخبارتية مصلحتها تشتيت الأمة وتدميرها من الداخل وهذا ثابت لدينا، ولكن نحن لا نستطيع أن نخوض حروبًا مع بعض هؤلاء، الاستراتيجية في تونس تقوم على حماية الشعب وشبابنا من الذهاب مع هؤلاء. الرسائل السعودية تفرحنا - كيف يرى الشيخ فريد الباجي دعوة خادم الحرمين الشريفين لمكافحة الارهاب التي جعلت هؤلاء الإرهابيين في مأزق كبير بعد اجتماع المجتمع الدولي لضربهم سواء في العراق أوسوريا؟ * قال: نحن لا نخفيكم سرًا وأقولها بصراحة السنوات الأخيرة الرسائل التي تصلنا من المملكة وقيادتها الحكيمة في مكافحة الإرهاب تفرحنا لأنها شددت حتى على الفكر التكفيري وهذا الموقف الواضح والجلي من القيادة السعودية نحن نثمنه ونؤكد أنه سيساعد كثيرًا على القضاء على الإرهاب وخاصة أن هناك مشروعات إصلاحية فكرية وصلتنا نحن في المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل ووقع التواصل بيننا وبين المراكز مثل جامعة نايف للأمن في هذا المجال ووجدنا توافقا كاملا في كيفية مكافحة الإرهاب بيننا والحمد لله، وكما تعلمون أن المركز له علاقات كبيرة في تونس ونفوذ ودعم إعلامي وشعبي حتى الدولة تستعين بنا ،وتأخذ آراءنا سوى من رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة. لا وجود للفكر الطائفي - بصفتك عضوًا في المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل ما رأيك في محاولات المد الإيراني في تونس، ماذا يريد الشيعة من التونسيين؟ وهل نجحوا في تمرير أفكارهم للشباب التونسي؟ *سأخبرك عن تونس بكل صراحة، تونس العقيدة الرافضية والشيعية حكمت تونس مدة لا بأس بها أكثر من قرن ولكن خرجوا في النهاية لما استعملوا دعوتهم وسلاحهم لنشر الفكر الرافضي في تونس الذي رفض رفضًا تامًا، تونس سنية معتدلة برمتها، لكن مع ذلك نحن شعب متحضر ومسالم ومثقف يوجد بعض الأقليات الشيعية في تونس والتقيت مع بعض قادتهم وقلت لهم بكل صراحة نحن نحترم الأقليات الدينية يهود مسيح أو مذهب شيعي أو أباظية لكن تونس ميزته التاريخية في وحدة عقيدته وهذا الذي أدى إلى نجاح تونس في كثير من المراحل التاريخية لعدم وجود فكر طائفي قوي في تونس، من هنا نحن لا نقف ضدكم كأشخاص تتبنون عقيدة معينة لكن لو تستخدمون نشر الدعوة الشيعية في تونس فسوف نتصدى لكم بقوة القانون وقوة العلم لأن تونس لا تتحمل الطائفية، ولا المتشددين حيث وجدنا أن أغلبية الشعب التونسي يتجاوبون معنا وهذا يدل على عدم توفر الحاضنة الشعبية التي كان يعتمدها الارهابيون كمنطلق للإرهاب ونسبتها تكون معدومة وقليلة جدا الآن. - هل نحن كعرب ومسلمين نهتم بالمستقبل وبما سيكون عليه حالنا بعد 20 أو50 سنة، هل استعدينا لمواجهة المعضلات والأزمات التي بدأت أسبابها تطل برؤوسها القبيحة على حاضرنا؟ * لا أخفيك سرا، الأمر في الظاهر الآن على ما يبدو من الصورة القاتمة للأمة العربية من التشتت والحروب والدماء تعود أساسا الى عدم الوحدة العربية الكاملة، نحن ندعوالى الوحدة ليس بمعنى الوحدة الجغرافية لاـ كل دولة تبقى لها استقلاليتها وسيادتها وخصوصيتها، لكن هناك ما يسمى بالوحدة الاستراتيجية العامة في كيفية التحضير، الاتحاد الاقتصادي،الاتحاد الثقافي، كذلك نحن العرب يغلب علينا الاسلام ـ والاسلام يعني السلام، فلننشر السلام بيننا، وينبغي اأن يقع تواصل كبير بين المؤسسات الدينية والمؤسسات الحكومية والثقافية والعلمية بين الدول العربية ليرسموا استراتيجية عربية لحماية وحصانة الأمة العربية من التقاتل.
مشاركة :