العادة السرية كما لم تعرف من قبل بقلم: شيماء رحومة

  • 12/19/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

نحتاج المزيد من المبادرات الشبابية للتشجيع على المطالعة ونفض الغبار عن المكتبات العمومية العتيقة وحث الناشئة على إعادة اكتشاف ذخيرة أولياء الأمور والأجداد من الكتب والمخطوطات.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2017/12/19، العدد: 10847، ص(21)] استوقفتني صورة صادمة تجسد فعلا منبوذا بمجتمعاتنا العربية، منشورة بإحدى الصفحات الموجودة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تجسد ممارسة العادة السرية بكتاب. وكانت مرفقة بتعليق فسر فيه صاحبها المغزى من نشره للصورة، معللا ذلك بأن وجه الشبه بين مطالعة كتاب بإحدى وسائل النقل أو الأماكن العمومية تتطلب سرية تامة وعدم الجهر بذلك، مؤكدا أن التفكير ككل في بلداننا العربية عادة سرية منبوذة إن خرجت للعلن. هاجمه البعض بسيل من التعليقات بأنه بالغ في تصوير ما آلت إليه حال المطالعة اليوم، وباركه البعض الآخر معتبرا أنه أصاب وأنه محق في ما ذهب إليه. شدد صاحب الصورة على أن إمساك كتاب بحافلة أو قطار تضع صاحبها في دائرة الاستهجان وتسلط عليه الأنظار وتحيطه الأجساد المتلاطمة بسياج سجن انفراد يقصيه خارج المجموعة. وأرى من وجهة نظري أنه في الوقت الذي يبلغ فيه صاحب الكتاب نشوة ممارسته الفردية لهذه العادة السرية ويهتز كل كيانه برعشة فريدة، يخمن كل الخلق من حوله في المضار التي تحفّ به، غير مدركين أن الضرر الوحيد إجهاد نفسي بالأساس من قيود نظراتهم المليئة بالازدراء. قيل إنه من المرجح أنّ ممارسة العادة السرية بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا لا يشكل ضررا كبيرا، فماذا لو تم استبدال الجنس بقراءة كتاب بنفس المعدل أي فائدة سيجني صاحبها؟ لم يبق هذا السؤال دون إجابة فقد ظهرت مبادرات فردية وجماعية ببعض الدول العربية تشجع على المطالعة في خطوة نحو تغذية الفكر وإعادة رسكلة التفكير حتى لا يجرم صاحب العقل السليم بتهمة إعمال العقل مستقبلا. وكان على صاحب الصورة بدل الاستفاضة في الحديث عن جنس عقيم لا جماع فيه بين الذكر والأنثى أن يقوم بفض الغشاوة عن أعين البعض ممن لا يحبون المطالعة ولا يستسيغون ممارسة هذه العادة، بأن يحذو حذو من كان شعاره “ضع كتابا وخذ آخر مكانه”، وهي مبادرة من مهندس مصري سعى إلى إنشاء مكتبة بأحد شوارع القاهرة، وقد نالت الفكرة استحسان عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعلوا معها. وكذا فعل عدد من خريجي الجامعات الموريتانية الذين اتخذوا من ساحة عمومية وسط نواكشوط، فضاء للتنوع الثقافي، وتشجيع الشباب على المطالعة، تحت شعار “اقرأ معي”. وهكذا سينجح صاحب الصورة أيضا لو حمل شعارا مماثلا “مارسوا معي هذه العادة السرية اللذيذة حتى يصل الجميع لنشوة لا مثيل لها”، ولا أظنه سيفشل، بل سيجمع مريدين من كل حدب وصوب. لم تبخل علينا محطة سكك الحديد في تونس بوضع كتب على ذمة المسافرين الراغبين في استعارة كتاب يطالعونه أثناء رحلتهم مقابل وضع بطاقاتهم الوطنية في الاستعلامات ضمانا لعودة الكتاب. ومع ذلك نحتاج المزيد من المبادرات الشبابية للتشجيع على المطالعة ونفض الغبار عن المكتبات العمومية العتيقة وحث الناشئة على إعادة اكتشاف ذخيرة أولياء الأمور والأجداد من الكتب والمخطوطات ودعمها بعدد جديد من زبدة أفكار من سبقونا ومن يعاصروننا من أدباء وكتّاب. تقريبا كل الشرائح العمرية تردد البعض من كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش والشاعر السوري نزار قباني والكاتبة الجزائرية أحلام المستغانمي، بفضل انتشارها على الشبكات الاجتماعية، وكذا أغان لبعض من عمالقة الفن، وهذا في حد ذاته بصيص أمل يسهل مهمة الترغيب في المطالعة ويرقى بالمجتمعات العربية التي ترى في حمل كتاب بالأماكن العمومية حالة خاصة بالغرب، إلى مصاف النخبة. الكتاب تجاوز بدول غير عربية كل الحدود ورافق المواطن في صحوه ومنامه، في سفره وترحاله، بين لحاف الفراش ورمال الشواطئ، دون أن يقال عادة سرية من العيب الجهر بها ونقل العدوى بين بني البشر. فالقراءة وفق إحدى المقولات “هي أن تذهب بعقلك ومشاعرك خارج حدود المكان والزمان” لا أن تقبع في سجون أعراف وتقاليد المجتمعات الرجعية بتهم ممارسة عادة التفكير والوصول إلى رعشة اليقين. على الجميع أن يحمل فأسا ويكسر الرتابة التي قادت وتقود الأبناء نحو إدمان الأجهزة الذكية ونبذ الكتاب، على كل العوائل أن تفتق أذهان أطفالها على خيال من نوع خاص لا يتوفر إلا بمطالعة القصص والروايات فإنماء العقل لا يحصل مصادفة باستمناء منبوذ بل بدعم وتشجيع. كاتبة من تونسشيماء رحومة

مشاركة :