قال تقرير لبنك الكويت الوطني إن النشاط الاقتصادي المصري استمر في استعادة قوته خلال الربع الثالث من عام 2017؛ نظراً لتعافيه بصورة ملحوظة في النصف الاول من عام 2017. وأضاف التقرير: استفاد الاقتصاد بشكل عام من تعويم الجنيه، مما أنعش التفاؤل وساهم في جعل الاقتصاد أكثر تنافسية. وساهمت بعض الإصلاحات الهيكلية والمالية الأخرى في تحقيق المزيد من التطور، الأمر الذي أدى إلى انتعاش الاقتصاد بفعل قوة نمو الصادرات وتعافي السياحة وزيادة الاستثمار. وشهدت الاحتياطات أيضاً تحسناً ملحوظاً، إذ عادت إلى مستويات لم تحققها منذ اندلاع الأزمة السياسية في عام 2011. النمو يتسارع واستمر الاقتصاد في تسجيل نمو قوي خلال الربع الثالث من عام 2017 تماشياً مع تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.2 في المئة على أساس سنوي، مقارنة بمتوسط نموه في 2016 البالغ 2.3 في المئة فقط. وقد كان القطاع الخاص محركاً أساسياً للنمو، حيث اتسع نشاطه بواقع 5 في المئة على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2017 وذلك وفق آخر البيانات المتوافرة، بينما سجل القطاع الحكومي نمواً بواقع 2.4 في المئة فقط على أساس سنوي. واستمر مؤشر مديري المشتريات بالتحسن في الربع الرابع من عام 2017، مما يشير إلى استمرار تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي. فقد ارتفع المؤشر إلى 50.7 نقطة في نوفمبر مسجلاً أفضل مستوياته منذ أكثر من عامين. وبالأخص فقد جاء نمو الصادرات قوياً في المؤشر، حيث ارتفع مؤشر طلبات التصدير الجديدة إلى 55.5 نقطة. وتشير بيانات التجارة الأخيرة أيضاً إلى ارتفاع الصادرات (بالدولار الأميركي) بواقع 14 نقطة على أساس سنوي في الربع الثالث من 2017. إذ يبدو أن تراجع قيمة الجنيه بعد تعويمه في العام الماضي قد زاد من تنافسية الصادرات. وقد ساهم تعافي قطاع السياحة في دعم النمو وتحسنه. فقد قفز عدد السياح في مصر بواقع 55 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من 2017، وارتفع مكون السياحة في مؤشر الإنتاج بواقع 15 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني. وعلى الرغم من التحسن فإنه لا تزال هنالك مساحة كبيرة لتسجيل مزيد من التحسن، مع بقاء السياحة دون مستويات ما قبل عام 2011. واستمرت الضغوط الكبيرة على السياحة نتيجة تصاعد النزاعات السياسية وارتفاع المخاطر السياسية من الهجمات الإرهابية، حيث لا يزال عدد السياح في مصر خلال الربع الأول من عام 2017 أقل من مستواه في الربع الثالث من عام 2010 بواقع 36 في المئة. ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصري المزيد من التحسن خلال السنوات المقبلة، إذ على الرغم من التوقعات التي تشير إلى أن وتيرة النمو ستهدأ قليلاً في الأرباع المقبلة بفعل تأثيرات قاعدية، غير أنه لا يزال من المتوقع أن يتحسن متوسط النمو في السنة المالية الحالية 2017 – 2018 إلى 4.7 في المئة مقارنة بالسنة الماضية عند 3.6 في المئة. ومن المتوقع أن يتسارع النمو بعد ذلك إلى 5 في المئة و5.5 في المئة في السنتين الماليتين 2019/2018 و2020/2019 على التوالي. وسيواصل الاقتصاد مواجهة بعض التحديات الناتجة عن السياسات المالية والنقدية المتشددة خلال السنتين إلى السنوات الثلاث المقبلة، وقد يواجه ذلك قوة النشاط الاستثماري ونمو في الصادرات وتعاف في قطاع السياحة. العجز المالي يتقلص وتبنّت الحكومة برنامجاً إصلاحياً تهدف من خلاله إلى خفض العجز الضخم في الميزانية. فقد تم استحداث ضريبة القيمة المضافة في العام الماضي بدلاً من ضرائب المبيعات التي من شأنها رفع الإيرادات الضريبية بنحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقامت الحكومة أيضاً بخفض الدعوم، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود وتعريفة الماء والكهرباء. كما شملت هذه الجهود الإصلاحية أيضاً التحكم في نمو الرواتب. وقد بدأت تأثيرات هذه الإصلاحات بالظهور، إلا أن بعض الأهداف المالية لم يتم تحقيقها نظراً لارتفاع أسعار النفط بشكل كبير. وقد تراجع العجز المالي في الميزانية إلى 10.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2017/2016 من 12.1 في المئة في السنة المالية السابقة. وتشير البيانات حتى شهر مايو من عام 2017 إلى تراجع العجز إلى 10.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأحد عشر شهراً الأولى من السنة المالية. وقد تقلص العجز الأولي، الذي يستثني مدفوعات الفائدة، من 3.7 في المئة في العام الماضي ليصل إلى 1.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي منذ بداية السنة المالية حتى شهر مايو الماضي. وقد جاء التحسن في العجز الأولي نتيجة زيادة التحكم في نمو الرواتب وتحسن نمو الإيرادات الضريبية بشكل رئيسي. فقد ارتفع نمو الرواتب بواقع 3 في المئة فقط (على أساس اسمي) مقارنة بمتوسط النمو السنوي للسنوات الخمس الماضية البالغ 18 في المئة. وقد أدى ذلك إلى تراجع إجمالي الإنفاق إلى 25.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حتى الآن في السنة المالية 2017/2016 مسجلاً أقل مستوياته منذ ست سنوات. وارتفع نمو الإيرادات الضريبية في الوقت نفسه بواقع 33 في المئة على أساس سنوي، مما ساهم في انتعاش إجمالي الإيرادات إلى 15.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع تقرير «الوطني» أن يستمر التحسن خلال السنتين الماليتين المقبلتين تماشياً مع تحكم السلطات في مستوى الإنفاق وتحسن الإيرادات. ومن المفترض أن يتقلص العجز إلى 8.5 في المئة خلال السنة المالية 2018/2017 بأكملها ليسجل بعد ذلك المزيد من التحسن ليصل إلى 7.5 في المئة و6.5 في المئة في السنتين الماليتين المقبلتين. وقد تأتي الزيادات من استمرار تطبيق الإصلاحات التي تهدف إلى خفض الدعوم، كما سيكون لارتفاع الإيرادات دور مهم أيضاً، وذلك مع تحسن جمع الإيرادات بالإضافة إلى ظهور تأثير رفع الحكومة معدل ضريبة القيمة المضافة من 13 في المئة إلى 14 في المئة خلال السنة المالية الحالية. وتشمل الإصلاحات بعض التغييرات الهيكلية التي من شأنها دعم الاستثمار والنمو وخلق الوظائف. ومن ضمن هذه الإصلاحات تحسين بيئة الأعمال وسنّ قوانين تهدف إلى تنظيم الاستثمار وتعديل قوانين التسجيل الصناعي والإفلاس. وقد بدأت الحكومة بتطبيق بعض هذه الإصلاحات، كما قامت مؤخراً بالموافقة على ضوابط جديدة من شأنها تعديل بيئة الاستثمار. إذ يوفر هذا القانون الجديد ضمانات شاملة ومحفزات للمستثمرين الأجانب، كما يعمل على تسهيل عملية الاستثمار. كما تم الانتهاء أيضاً من قانون الرخص الصناعية، الذي يهدف إلى تبسيط العملية وتوفير الوقت. التضخم قد يتراجع وأدى كل من تعويم العملة في العام الماضي وخفض الدعوم وفرض ضريبة القيمة المضافة إلى ارتفاع التضخم خلال العام الماضي. وقد ساهم رفع الفائدة الأساسية من قبل البنك المركزي في دعم استقرار التضخم رغم أنه لا يزال مرتفعاً. فقد استقر التضخم في أكتوبر عند 31 في المئة على أساس سنوي، بيد أن نمو الأسعار الشهري في وتيرة متراجعة، إذ من المتوقع أن ينهي عام 2017 عند ما يقارب 23 في المئة، ويتراجع لاحقاً بشكل أكبر إلى 10 في المئة بحلول نهاية عام 2018 ومن ثم إلى 8 في المئة بحلول نهاية 2019. وتراجع عجز الحساب الجاري ليصل إلى أدنى مستوياته منذ ما يقارب الثلاث سنوات وذلك في الربع الثاني من عام 2017 ليبلغ 2.4 مليار دولار أو 4.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد استفاد الحساب الجاري من قوة نمو الصادرات التي بلغت 7.4 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني، كما شهدت السياحة في هذا الربع نمواً قوياً بالإضافة إلى نمو كل من الإيرادات وتحويلات العمالة من الخارج. وقد واصلت إيرادات السياحة والتحويلات من الخارج تحسنها في الربع الثاني بدعم من تعويم العملة وتحسن الأوضاع الأمنية. فقد ارتفعت إيرادات السياحة إلى ثلاثة أضعاف مستواها لتبلغ 1.5 مليار دولار في الربع الثاني مقارنة بعام مضى، مسجلة نمواً بلغ 17 في المئة خلال كامل السنة المالية 2017/2016. وعلى الرغم من التحسن فإن الإيرادات لا تزال دون مستويات ما قبل «الربيع العربي». وارتفعت تحويلات العمالة من الخارج بواقع 10 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني لتصل إلى 4.8 مليارات دولار. وفي الوقت نفسه، قفزت التدفقات إلى المحافظ الاستثمارية بعد تعويم الجنيه، مما ساهم في استمرار دعم الأوضاع الخارجية. وارتفع صافي التدفقات إلى المحافظ الاستثمارية إلى 8.1 مليارات دولار خلال الربع الثاني والذي يعد أضخم ارتفاع تم تسجيله. وقد جاء هذا الارتفاع نتيجة بلوغ صافي التدفقات إلى الداخل 7.6 مليارات دولار في الربع الأول من 2017. وارتفعت الاحتياطيات الأجنبية بشكل ملحوظ، حيث تجاوزت احتياطيات البنك المركزي مستويات ما قبل «الربيع العربي» لأول مرة خلال شهر يوليو. واستقرت الاحتياطيات منذ ذلك الحين عند 36.7 مليار دولاراً، أو ما يقدر بقيمة 8.1 أشهر من الواردات بحلول نهاية نوفمبر 2017. وقد كان للالتزامات العديدة، بما فيها مع صندوق النقد الدولي، دور مهم في دعم الاحتياطيات، إلا أن الاستثمار الخاص كان المحرك الأهم، بالإضافة إلى التدفقات الخاصة الأخرى. وقد ساهم ارتفاع الفائدة في زيادة الإقبال على السندات المحلية، بينما جذبت الأسهم المستثمرين للاستفادة من وتيرة التعافي.
مشاركة :