التغافل فنٌّ خُلقي

  • 12/20/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

التغافل فنٌّ خُلُقيٌّ لا يتقنه إلا العظماء، فغضُّ الطرف عن أخطاء الآخرين والتغاضي عنها هو الأسلوب البديل للمواجهة التي ربما ينتج عنها عراك وبغض وقطيعة. ولذا فالكريم دائمًا يترفَّع عن مجاراة مَن يُسيء إليه، خاصة ممَّن يرجو مودَّتهم، ويرجو لهم الخير، ويُحسن الظن بهم، وأُثِرَ عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: «تسعة أعشار الخُلق في التغافل»، فالتغافل عن زلَّات الناس وأخطائهم وترك النظر والتدقيق في صغائر الأمور لازم من لوازم الحياة المستقرة.وقديمًا قال الشاعر:ليس الغبيُّ بسَيِّدٍ في قومهلكن سيِّدَ قومه المتغابيومن واقع تجربتي أن التغاضي عن أخطاء الغير يُورِّث راحة البال وطمأنينة النفس، لا سيما إذا كان هذا التغاضي ليس ضعفًا ولا عجزًا، بل إنه قد يقلب الموازين، فيجعل ذلك المسيء صديقًا حميمًا.ومن أجمل ما قاله الشعراء في فن التغافل، والتسامح مع المسيء:إذا جرَحَت مساويهم فؤاديصبرتُ على الإساءةِ وانطويتُورحتُ عليهمُ طَلْقَ المحيّاكأني ما سمعتُ ولا رأيتُتَجَنَّوا لي ذنوبًا ما جَنَتهايداي ولا أمَرتُ ولا نهيتُولا والله ما أضمرتُ غدرًاكما قد أظهروه ولا نويتُويومُ الحشر موعدُنا وتبدوصحيفةُ ما جَنَوه وما جَنَيْتُفالكريم لا يكتفي بالصفح والعفو، ولكن يتجاوز ذلك إلى التعامل الحسن، كأنه لم يسمع ولم يرَ؛ ليقينه أن ما قيل فيه ليست إلا أقاويل لم تقع منه ولم يكن جانيًا لها، وحديث الناس في بعضهم لا يسلم منه أحد، ولو سلم أحد لسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد قيل عنه إنه ساحر ومجنون وشاعر، واتُّهِمَ - حاشاه الله - في عِرْضِهِ الطاهر أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بل الأمر جاوز ذلك إلى التعدِّي على الذات الإلهية، فلم يسلم من الناس ربّهم، فقد قالوا عنه فقير وله زوجة وولد، تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.إن جوهر الحكمة أن يتسامح الإنسان عن أخطاء الآخرين، ويترفَّع عن صغائر الأمور وتوافهها كَرَمًا لا خوفًا، وعمدًا لا غباءً، وقصدًا لا نقصًا؛ ليقينه أن الحياة قصيرة، وأن ما يعمله الإنسان في الدنيا من خيرٍ أو شرٍّ سيجده في صحائفه يوم القيامة، ومن أعظم مواطن التغافل قول يوسف الصديق عليه السلام: {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}، مع أن الشيطان نزغ إخوته فقط ولم ينزغه هو، لكنها مكارم الأخلاق.وأبلغ من كل هذا وأحكم قول ربنا جلَّ جلاله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.

مشاركة :