ثمة قادة عرب، لا يملك مسؤولون أجانب، مهما اختلفوا معهم، إلا أن يأخذوهم مأخذ الجد. والشيخ عبدالله السالم أحد هؤلاء، حسب المراسلات البريطانية في فترة إمارته (1950 – 1965). والمراسلات البريطانية، خاصة وسرية للغاية، لم تكتب للاستهلاك المحلي، وما قيل فيها تقصد التحليل والتفسير لا الثناء والإطراء، مما جعلها مصدرا، ليس بشأن حياة الأمراء فحسب، وإنما بخصوص تاريخ منطقتنا. كان الشيخ عبدالله السالم، حسب المقيم السياسي البريطاني: «مخلصا، ومن الصعب أن يفسده المديح، أو تفسده الثروة». وحسب مهندس سويسري عاصره: «لم يتلبسه هوس الثراء، ولم يعدم بعد النظر، أو يستغل سلطته كحاكم مطلق». وكان يحظى بشعبية بين أفراد الأسرة الحاكمة وبين شعبه، ويتسم بأنه تقليدي ومحافظ، إذ لم يشجع أو يرحب فورا بكل ما هو على النمط الغربي. وما زاد في شعبيته استقامته ونزاهته، إذ يروى أنه قام بسداد ديْن كان على أحد اخوته بقيمة 70 ألف روبية، من ماله الخاص، وفي فترة ما قبل ظهور النفط وتدفق الثروة. ووصف المسؤولون البريطانيون التعامل معه بأنه كان سهلا، وأنه في الحفلات لا يسكن في مكانه، وإنما يتحرك بين ضيوفه بسلاسة وتلقائية. وكتب المقيم السياسي البريطاني في الخليج، بعد شهرين من تسلمه الحكم: «أعتقد جازما أنه يحمل مصلحة بلده في قلبه.. وهناك اعتقاد بأن الكويت ستدخل تحت حكمه مرحلة متزنة ومنتظمة من التنمية والتطوير». وأضاف المقيم السياسي قائلا: «أعتقد أن التعامل معه سيكون سهلا لحرصه على صداقة ودعم وبريطانيا.. وأعتقد أنه سيتحرك إلى الأمام ببطء وروية، وسيبذل ما في وسعه لحمل شعبه معه باتجاه أي إصلاح يقوم به.. وسيكون أقل أوتقراطية، وما إذا سيقوم بتطوير مؤسسات ديموقراطية، فهذا في علم الغيب.. وهناك سبب جيد للاعتقاد بأنه سيقوم تدريجيا بتحسين إدارة الدولة بشكل عام، وسيقوم بإنفاق الثروة الضخمة بحكمة». وكان سخيا، إذ تبرع من ماله في سنة 1951 بـ19 ألف دولار لبناء مسجد في واشنطن. وتبرع من ماله لبناء مكتبة عامة في صنعاء، ومسجد في تعز، وآخر في الحديدة، في اليمن، وفي بناء مسجد منشية البكري في القاهرة. وبتقييم مجمل، وحسب الوثائق البريطانية، كان شخصية مسالمة، تعمل بهدوء وصبر. وتوافقت شخصيته مع المرحلة التي كانت الكويت تمر بها. فحسب رسالة بريطانية «إن أكثر ما تحتاج إليه الكويت من أي وقت مضى هو شخصية معتدلة، لديها استعداد أن تقوم بتغييرات تدريجية من دون أن تحدث ثورة. ويعود الفضل إليه في ترسيخ حالة الاستقرار، والدفع باتجاه تأسيس الدولة الحديثة». أ.د. هشام العوضي Hesham_Alawadi@
مشاركة :