أشرت في المقالة السابقة إلى بعض ما ذكرته الوثائق البريطانية عن الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله تعالى، وهي وثائق خاصة وسرية للغاية، لم تكتب للاستهلاك المحلي، ولم تكتب بقصد المجاملة والمديح، وإنما التوثيق والتحليل. وقد وصفت احدى هذه الوثائق الشيخ عبدالله السالم بأنه شخصية معتدلة، ولديها الاستعداد لأن تقوم بتغييرات تدريجية، وأن الفضل يرجع إليه في ترسيخ حالة الاستقرار، والدفع باتجاه تأسيس الدولة الحديثة. وقد سمحت عوائد النفط في عهد الشيخ عبدالله السالم بأن تتوسع الدولة في خدماتها، مما عزز من شعبيته، إذ توافر للكويت في سنة 1953 ــــ وذلك حسب الوثائق البريطانية ــــ حوالي 18 مليون جنيه إسترليني أنفقت في بناء المدارس والمستشفيات، ومشروع تقطير ماء البحر. ومن السياسات التي حظيت بشعبية واسعة، سياسة التثمين، التي على أساسها دفعت الحكومة مقابلا ماليا سخيا لملاّك الأراضي في داخل المدينة العاصمة نظير بيوتهم، وذلك لتعميرها بمبان حكومية. وكان التجار من أهم الفئات التي استفادت من سياسة التثمين هذه، نظرا إلى أن الحكومة سمحت لها بشراء أراض جديدة في العاصمة، وبأسعار مدعومة نسبيا، وذلك لإقامة مشاريعهم التجارية الخاصة. ومكّنت الأموال التي جناها كثير من المواطنين من التثمين من تملك مساحات أكبر من الأراضي في المناطق السكنية الجديدة، واستثمار ما تبقى منها في أعمال تجارية خاصة. لم ينته ما لدى الوثائق البريطانية من القول عن الشيخ عبدالله السالم، ولكن انتهت مساحة المقالة. وحسبي أن أقول ان فترة الشيخ عبدالله السالم لم توثّق كما ينبغي. فهناك شحنة حب شعبية جارفة نحوه، لم توظف في دراسات توثيقية أو تاريخية جادة. فلدينا توثيق جيد عن الحراك السياسي والثقافي في الكويت في الخمسينات، وهذا جيد، ولكنه توثيق ضعيف عندما يتعلق بالتوثيق لشخصية وحياة الشيخ عبدالله السالم نفسه، والعدسة التي كان يرى بها الأوضاع من حوله. فقد بدأ عهده بالرغبة في التنحّي عن الحكم، وانتهت سنواته الأخيرة بمعزل عن ضجيج السياسة والناس. كان الشيخ عبدالله السالم ــــ رحمه الله تعالى ــــ يقدّر بريطانيا ويحترمها، ولكن لم يقبل أن تتدخل في شؤون ادارته للدولة. وكان يريد أن يحفظ استقلال الكويت، ويحلم منذ منتصف الخمسينات بأن تكون الكويت عضواً في الجامعة العربية، إلى أن تحقّق حلمه بالفعل في 1961. كانت شخصية الشيخ عبدالله السالم طيبة وشعبية أجل، ولكن عميقة وراسخة بالتأكيد. وللأسف، لم تحظ هذه الشخصية الجديرة بحقّها الكافي من البحث والدراسة. أ.د. هشام العوضي Hesham_Alawadi@
مشاركة :