"ورور" الوعي السياسي

  • 12/21/2017
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

«قال وزير العدل في تصريح لوكالة أنباء البحرين «بنا»، إن وزارة العدل كانت قد اتخذت إجراءات ضد جمعيات شاركت في دعم الإرهاب والعنف، وقد صدرت بحقها أحكام قضائية بالحل، مشيراً إلى أن استهداف العمل السياسي المشروع بهدف الإخلال بالأمن شكل إحدى الأدوات الرئيسة للتدخلات العدائية الخارجية. ولفت وزير العدل إلى دور الجمعيات السياسية عبر حضورها الفعال ومشاركتها البناءة بمختلف الاستحقاقات الوطنية، مشيراً إلى وجود 16 جمعية سياسية مرخصة حالياً. وذكر وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف أن مملكة البحرين تكفل حرية تكوين الجمعيات السياسية في إطار احترام حكم القانون».«الجمعيات السياسية» أي الأحزاب التي حكم عليها بالإغلاق والمصادرة كانت أحد معاول الالتباس التي عاثت في الوعي السياسي فساداً، ونحتاج أن نفرز أوراق ذلك الوعي ونعيد ترتيب ثوابته وأسسه السياسية لأننا ننتظر أن تكون لدينا أحزاب سياسية قوية وتستطيع أن تكون رافداً للقرار السياسي ومراقباً لأداء السلطات الثلاث، فكم تشوه وعي شبابنا واختلطت الأمور عليه وعثنا في العديد من المفاهيم الخاصة بالحقوق والحريات فساداً إما بالتلقين الخائي وإما بترك الساحة لمن ينشر الجهل دون تدخل.مفاهيم وأسس وضوابط العمل السياسي والحقوقي حسب الممارسات الديمقراطية العريقة والموجودة في كتب وفي أضابير مفكريه ومؤسسي نظرياته والمفعلة كممارسات في أعرق الدول التي تبنتها، يجهلها العديد من شبابنا المنقاد وراء المنابر والمنصات التي صاغت وعيه السياسي، تلك المفاهيم التي بنت على أسسها أعرق الدول الديمقراطية تجاربها غير تلك التي زرعت في أذهان العديد ممن اتخذ العمل السياسي والحقوقي مهنة له في البحرين.الساحة الشعبية تركت كي يتسيدها ولسنوات مجموعة كانت تخطط لأجندة سياسية تنقلب على الحكم سابقاً وعلى الدستور لاحقاً، وتطيح بالعقد الاجتماعي وتسقط النظام وتختطف الدولة، وكانت بحاجة لكوادر شبابية تعينها على تحقيق أجندتها، تركت تلك المجموعة لأكثر من عشرين عاماً كي تحتل المنابر الدينية والصحافية والسياسية واقتحمت وسائل التواصل الاجتماعي وتواجدت في كل تجمع شبابي أينما وجد.لم تكن «الضوابط» القانونية والحقوقية السياسية المتعارف عليها في هذه العلوم لتسمح لحراكهم أن يحقق غرضه وأهدافه إن فهمها الشباب وتعلمها ودرسها، فنزعوها من مناهجهم ومن خطابهم، ونتيجة لاتساع امتدادهم وتغلغلهم ووصولهم لساحة خالية ليس بها بديل تسيد خطابهم الغوغائي على كل خطاب عقلاني والنتيجة هي ما شهدناه من ممارسات تخريبية كانت تتم كلها تحت مظلة «الحقوق السياسية».منذ عام 1994 و«منصاتهم الخطابية» تنثر «الجهل» و«التخلف» السياسي والحقوقي، حركات تحرر وتنظيمات ثورية هي من تسيد تشكيل الوعي السياسي لدى جيل من الشباب، حتى إذا ما منح الدستور البحريني حق ممارسة العمل السياسي بعد عام 2002 قضت جمعياتهم السياسية وصحفهم على ما تبقى من مفاهيم صحيحة بل كانت تلك المؤسسات السياسية والإعلامية هي نتاج الفهم الخاطئ والمغلوط السابق لمعاني الحقوق والواجبات الدستورية ومخرجاتها، فلا عجب أن تكون هي من خرج علينا عام 2011 في الشارع، ووجدت البحرين نفسها تجادل في المسلمات المحرمة والممنوعة عرفاً وقانوناً، فجادلت من يجيز حرق البلد ويجيز الاتصال بالدول الأجنبية ويجيز قتل رجال الأمن ويجيز التسلح ويخرج لنا بمصطلحات «العنف المشروع»!!شهدنا تبادل القبعات، تنازل المصلح ورجل الدين ورجل السياسة عن عقله ووهبه للشارع من أجل البقاء متربعاً على كرسيه الشعبي، وهاجت الأرض وماجت وأخرجت لنا زعامات سياسية لا تفقه في علوم السياسة ومناهجها، ولبس الأفندي العمامة، ونزع العمامة فقهاؤها، واختلطت كربلاء بالمسيرات المرخصة، وسال دم الحسين من حامل القنابل المتفجرة، وعاد لنا التاريخ ملتبساً ثوب المنظر السياسي.أي ذهنية تبقت لشبابنا وأي وعي يغزوه الآن فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والمفاهيم والمسلمات السياسية والحقوقية؟من يخاطبهم من ينزل لشوارعهم لجامعاتهم لمدارسهم يقرأ عليهم الدستور البحريني وبقية الدساتير، ويعيد ترتيب ذهنيتهم بالحجة والمنطق والعقل والعلم المقارن مع دساتير الدول الأخرى ويقنعهم أن لجميع تلك «الحقوق» التي حفظوها عن ظهر قلب ضوابط في كل بقاع الدنيا، وأن الحريات كلها مقيدة بأحكام، وأن كل الدول الديمقراطية لديها رجال أمن ويمنع المساس بهم وأن كل العالم به سجون وبه قضاء وأن المخطئ يعاقب، جميع تلك المسلمات كانت موضع عبث من المؤسسات السياسية المدنية ومن العديد من المنابر الدينية ووسائل التواصل الاجتماعي حين غابت الدولة وغابت مؤسساتها عن اختراقها والوصول لها.الدولة بحاجة اليوم لاقتحام عقولهم وقلوبهم ومواقع تجمعاتهم، بحاجة إلى «ورور» أي حفارة الصخر كي تفتت جمود الكتلة الصماء التي تصر على صحة ما تعلمته من أخطاء، بحاجة للمناظرات العلمية التي تجادلهم في المفاهيم والأساسيات والمسلمات كي تكشف لهم زيف الحشو الذي حشوا به عقولهم.

مشاركة :