هل من علاقة ما بين حياة أو موت الرئيس الأمريكي وبين قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعلان المدينة المقدسة عاصمة لدولة إسرائيل؟ السؤال وطرحه يبدوان للوهلة الأولى وكأنهما آتيان من عالم الخيال وقصص المؤامرات السينمائية التي تبرع هوليوود في تقديمها على شاشاتها الفضية، غير أن الواقع ربما يقودنا إلى ما هو أغرب من الخيال، سيما في بلد يأتيك منها كل جديد وغريب. عبر موقع “كوريير” الأمريكي الخاص بالصناعات العسكرية فوجئنا والعالم من حولنا الأيام القليلية الماضية بمقال لرجل شغل منصباً تنفيذيا كبيراً في إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري “رونالد ريجان” في ثمانينات القرن المنصرم “بول كريغ روبرتس” نائب وزير الاقتصاد الأمريكي في تلك الفترة، وحديثه عن حياة ترامب التي كانت وربما لا تزال مهددة في الداخل الأمريكي، وفيه يؤكد على أن خطوة الإعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، إنما هي الثمن الذي أُجبر ترامب على دفعه، في مقابل حماية جهاز الإستخبارات الإسرائيلية الخارجي “الموساد” لحياته. هل يمكن أن يستقيم حديث السيد “كريغ” على هذا النحو؟ ثم وهذا هو الأهم: هل لدى الإسرائيليين المقدرة الفعلية على ذلك؟ الجواب يأخذنا في طرق مثيرة للتفكير وكيف يدار هذا البلد الإمبراطوري، والبداية من عند ترامب نفسه القادم من خارج “الاستبلشمنت” المؤسسة السياسية الأمريكية التقليدية، بأحزابها الفاسدة والمهترئة سواء الحزب الديمقراطي أو نظيره الجمهوري. ظهر ترامب على الساحة حاملاً دعوات لثورة أيديولوجية تحاول إنقاذ أمريكا من خاطفيها المعروفين للجميع، من مجمع صناعي عسكري، ونظير له إستخباراتي، وثالث مالي رجالاته يتحكمون في “وول ستريت”، ورابع تمثله شركات النفط، فضلاً عن قوى خفيه أخرى غير ظاهرة للعيان، تحدث عنها وباقتدار نائب وزير الدفاع الكندي “وليام غاي كار” في مؤلفه الشهير “الضباب الأحمر فوق أمريكا”. هل كان لترامب أن يتحدى ويتصدى لهولاء جميعاً دفعة واحدة؟ يبدو أن ورقة “روسيا جيت” لم تكن إلا أداة تلويح لترامب بالمصير الذي ينتظره، حال مضى في مشروعه الخاص بالتقارب مع الروس، ما يعد كارثة حقيقية لصناع الحرب وتجار الموت وبقية جماعات الضغط المرتكزة على الحروب كأساس لدوران مصانعها الحربية، والتي من صالحها أن تظل المنافسة التي تقترب أحياناً من شفا الحرب باقية، وعجلاتها دائرة، حتى وإن كان التلويح بالمواجهة العسكرية مع فلاديمير يوتين محض خيال، لا يتحرك إلا في عقول هوؤاء أو يحاولون ترويجه وهم يعرفون زيفه وسط ثلاثمائة مليون أمريكي، ناهيك عن حلفائهم في بقية أطراف المثلث الرأسمالي، أي أوروبا واليابان. شئ من الماضى يبدو أنه لاح لترامب، يتصل بمصير الرئيس جون كيندي، سيما وأنه حتى الساعة هناك من يربط بين مقتله سر الأسرار حتى الساعة، وبين جنرالات الجيش ورجالات المصانع العسكرية، وشيوخ ونواب الكونجرس الداعمين لهم، أي أطراف الـ military Complex، فقد انتوى كيندى أن ينهى الحرب الباردة وبسرعة، ما يعني الكساد والخراب الاقتصادي لدعاة الحروب. هل أقدم ترامب على قرار القدس كما يقول “كريغ” ليضمن حماية الموساد لحياته، سيما وأن أجهزة المخابرات الأمريكية تعلم تمام العلم أنها مغمورة بعملاء الموساد، ما يعني أن ترامب وفي الوقت سوف يعلم مقدماً ما إذا كانت أجهزة الإستخبارات أو رجالات المجمعات المختلفة تخطط للخلاص منه. يستلفت النظر لهجة الثقة الكبيرة التي يتحدث بها نائب وزير الاقتصاد الأمريكي الأسبق بشأن قدرات المخابرات الإسرائيلية، والتي يرى أنها أكثر مهارة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وعليه فإنه إذا وفرت الحماية لترامب فسيقدر له الصمود وربما يكمل مشروعه في إعادة العلاقات مع الروس إلى دائرة الصداقة لا العداء. لا يمكن القطع بمدى مصداقية هذا الحديث من عدمه، لكن هناك ما يمكن أن يكون قرائن على صحته، وبخاصة ما جرى في ثمانينات القرن الماضى، في زمن رونالد ريجان أيضاً وكيف استطاعت إسرائيل تجنيد محلل البحرية الأمريكية “جون ثان بولارد” لتحصل منه على أهم مستندات ووثائق تخص العسكرية الأمريكية، والتي باعتها تل أبيب لموسكو الشيوعية وقتها بهدف تسهيل ترحيل يهود روس إلى اسرائيل. من حل شفرات اللغز؟ حل الشفرات تمثل في تجنيد محلل المعلومات في البحرية الأمريكية “جوناثان بولارد”، وقد كان رجل الموساد الاسرائيلي المنشق على الجهاز “فيكتور أوستروفسكي” هو الذي روى قصته من ألفها إلى يائها في كتابه “عن طريق الخداع” وفيه خبر العالم كله عن وجود وحدة إسرائيلية إستخباراتية عالية المستوي يطلق عليها “لاكام” “LAKAM” تتجاوز في قدراتها ومدى مقدراتها “الموساد”، وعدد أعضائها ما بين 20 و30 شخص، وقد أنشئت بغرض التجسس داخل أمريكا، ونشاطها سري لدرجة تجعل من المستحيل على أي فرد خارجها أن يرصد ما يدور داخلها. والشاهد أنه ما كان لنا أن نصدق “اوستروفسكي” لولا أن “ريتشارد هيلمز” مدير الـCIA في الفترة ما بين (1966 – 1973) أقر بأنه من الطبيعي أن تتجسس الدول الصديقة على بعضها، في إشارة لما فعلته إسرائيل. لم يتوقف عمل وحدة “لاكام” حتى بعد أن اعتذر الإسرائيلييون للأمريكيين وإن كان رؤساء المخابرات المركزية وطوال 30 سنة يرفضون الإفراج عن بولارد إلى حين أنهى محكوميته قبل نحو عامين تقريباً لفداحة الخسائر التي أحدثها للأمن القومي الأمريكي… ما الذي جعل الأمر يقيناً؟ بلا شك ما جرى مع الرئيس “بيل كلينتون” والذي حاول الضغط في نهاية التسعينات على نتانياهو من أجل القبول بصفقة سلام مع الفلسطينيين، وبعدها أخبر نتانياهو كلينتون مهدداً بأنه “سيحرق له واشنطن”، وقد فعل قولاً وفعلاً عبر دس المتدربة “مونيكا لوينسكي” وما جرى بعدها، سيما وأن كلينتون كاد أن يعزل. المشهد الثالث والأخير يتصل بأعضاء تنظيم القاعدة الذين ارتكبوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد ثبت للأمريكيين أن عناصر إستخباراتية اسرائيلية كانت تراقبهم قبل قيامهم بعمليتهم النكراء في 2001. هل يمكن أن يكون “كريغ” على حق؟ عند “يوري آفنيري” السياسي والصحافي الاسرائيلي اليساري أنه: “إذا أرادت اسرائيل سن تشريع بقانون تلغي بموجبه الوصايا العشر لوافق 95 عضوا من إجمالي مائة عضو هم أعضاء مجلس الشيوخ في نفس اليوم ودعموا القانون الجديد”. الخلاصة: ترامب ليس مجنوناً ولا صهيونياً.. وفي كل الأحوال مهما يكون من أمر حديث “كريغ” يظل براجماتياً أمريكياً فائق العادة في الحال والاستقبال.
مشاركة :