الإبداع صفة ينشدها المجتمع و يسعى الأفراد لتميز بها و أن تصبح سمة من سماتهم، التي تنم عن قدراتهم و مواهبهم التي جعلها الله فيهم، فالشخص المبدع هو الذي يصل إلى مرحلة تحقيق الذات من خلال تنمية قدراته العقلية، و التوائم مع متغيرات الحياة بصورة ابداعية، فهو في – حقيقة الأمر- لا يختلف عن الآخرين من حيث الطبيعة النوعية بل في الجانب الكمي عنهم حيث يمتلك بعض الخصائص و القدرات التي تساعده على البروز و الإبداع. فحينما يصف ” جروير وليس” المبدع بالقول ” أن كل مبدع هو حالة متفردة بصورة غير متوقعة أحيانا و أنه من غير الممكن في الواقع سوى تقديم عدد قليل من التعميمات حول الجوانب التي يتشابه فيها جميع المبدعين” (1) فإنه يلامس الحقيقة بكل دقة و لكن مع ذلك فإن هناك صفات عامة لاحظها أو اقترحها بعض الباحثين لمن يتصف بالإبداع فمنها ماهر حيوي مرتبط ببعض وظائف الدماغ، و استجاباته للمؤشرات و ذلك ما تأكده التجارب التي أكدت وجود بعض الفروق الدالة بين المبدعين و غيرهم، و التي كان من أبرزها الصفات الشخصية التي تميز المبدع الموهوب عن غيره. حيث يرى ( رنزولي ) أن الشخص المبدع يتصف بأنه ” ذَا طلاقة و مرونة و أصالة في الأفكار، متفتح على الخبرة، مستجيب للجديد حتى و إن كان غير منطقي سواء كان ذلك في الأفكار أو الأفعال في منتجاته أو منتجات الآخرين، محب للاستطلاع، تأملي، مغامر، يتلاعب بالأفكار، لا يخشى المخاطر في الأفكار و الأفعال ،حساس للتفاصيل بقدر الجماليات في الأفكار و الأشياء، كما أنه يمتلك استجابات فعالة للمثيرات الخارجية سواء كانت أفكارا أو مشاعر”(2)، وهنا يمكن للشخص أن يكون مبدعا باكتسابه المعارف والعلوم والمهارات والاتجاهات التي تقوده نحو ذلك ، والعمل على تنميتها في نفسه بإرادة قوية. فالشخص المبدع يمتاز ” بالقدرة على توليد افكار كثيرة وجديدة في عدة مجالات ، فالقدرة على ذلك تمثل أهم صفاته ، وكلما زادت هذه القدرة كلما زادت معها القدرات الابداعية “(3) واضافة لذلك فإن الشخص الموهوب المبدع يمتاز ” بالمرونة في التفكير بعقلية مفتوحة بحيث تصدر منه استجابات متعددة في مجالات متنوعة ، فهو يسلك اكثر من مسلك للوصول الى الافكار الكامنة ، او الاستجابات المحتملة “(4) فهو بذلك ينتقل من فكرة إلى أخرى او من مجال إلى آخر بلياقة عالية . كما يمتاز المبدع بالأصالة الفكرية والجدة ” فهو يمتلك القدرة على الاتيان بفكرة جديدة بالنسبة له ولمن حوله في زمان ومكان محددين “(4) فهو بذلك لا يقلد الآخرين ، او ينسب افكارهم لنفسه ، ولكنه يستفيد منها ، لينتج حلولا جديدة مناسبة للمواقف ، حيث تتجلى روح واصالة فكر المبدع في انتاج افكار ذات تأثير قوي على المدى البعيد والقريب عند مقارنتها بالأفكار الأخرى وهو الامر الذي يفسر تأخر البعض في فهم الافكار المبتكرة الجديدة . وقد انتهى عدد من الباحثين إلى أن الاشخاص المبدعين غالبا ما يتصفون بسمات شخصية محددة فقد لخص ( بدوي ) ابرز خصائص المبدعين فيما يلي : “دقة الملاحظة ،القدرة على اكتشاف الحقائق اكثر مما يفعله الاشخاص العاديون ، بحث ومناقشة النقاط التي لا يمكن لغيرهم ملاحظتها او مشاهدتها ، رؤية بعض الجوانب من الاشياء التي لا يستطيع الآخرون رؤيتها ، تحمل المشاق للوصول للحقيقة ، العقلانية والنقد الذاتي والثقافة العالية ، مناقشة اكثر من فكرة في نفس الوقت “(3) ومن جهة اخرى أشارت (الكعبي) إلى صفات الشخص المبدع و أوجزتها في : “حب الاستطلاع و طرح الأسئلة عن كل شيء ، طرح الأسئلة المثيرة، تقديم عدد كبير من الأفكار و الحلول للمشكلات و الأسئلة، القدرة في ابداء الرأي، تقديم استجابات نادرة وذكية”(5) إن الصفات التي تم إيرادها هي صفات نراها و نلمسها لدى الكثير ممن هم حولنا فقد يكونوا مبدعين إلا أننا لم نكتشف إبداعهم و لم نحاول توجيهه التوجيه الصحيح ، فمدارسنا و مجتمعنا مليئة بالموهوبين المبدعين من اطفالنا و الذين لو تم توجيه قدراتهم لعادت بالخير الكثير على الوطن، فهي دعوى في ختام هذا المقال للجميع للحرص على اكتشافهم و توجيه إبداعهم وقدراتهم التوجيه الصحيح في البيت أو المدرسة ألنسمو بالمبدعين في سماء التميز بما يحقق رؤية بلادنا الحثيثة للاستفادة من أهم منتج وطني موجود وهو الفرد السعودي لتحقيق تطلعات رؤية ٢٠ ٣٠ الإبداعية و التنموية، بما يعود على الجميع بالخير الوفير . المراجع : １- جروبر، هاورد، والاس، دروسي (٢٠٠٩). منهج دراسة الحالة و اتساق التطور، منحى لفهم المبدعين المتفردين في العمل، ترجمة ( المركز الثقافي للتعريب و الترجمة ) ( ص ص ١٨٩-٢٣٠ )، القاهرة : دار الكتاب الحديث. ２- عطاالله، صلاح الدين فرح (٢٠٠٦). تقنين اختبار الدوائر من الصور الشكلية”ب” لبطارية تورانس للتفكير الإبداعي على الأطفال في الإعمار من (٨-١٢) سنة بمدارس القبس بولاية الخرطوم، مجلة دراسات تربوية، العدد (١٤) ( ص ص ١٠٢- ١٣٧). ３- لافي، سعيد (٢٠١٥) . تنمية الإبداع، القاهرة، عالم الكتب، ط ١، ( ص ص ١٩- ٢٤ ). ４- دليل المعلم لتنمية مهارات التفكير (٢٠٠٤). المملكة العربية السعودية، وزارة التربية و التعليم ، مركز التطور التربوي. ５- الكعبي، فاطمة (٢٠٠١) ، خطوات إعداد برامج رعاية الموهوبين و المتميزين، نشرة تربوية، وزارة التربية و التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة.