مخاتلة-(الإعلام-من-90-إلى-2014)

  • 9/29/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أثناء غزو صدام الكويت كان الإعلام الفضائي مجهولاً. في السعودية كان الناس ينتظرون الصحف بطيئة الخُطى لمعرفة الأحداث كما ينتظرون الخبز. الأقلية التي تملك السلطة والمال استجلبت أطباقاً لاقطة قطرها خمسة أمتار وثمن الواحد منها 50 ألف ريال لمتابعة «سي أن أن» التي كانت تنقل الوقائع مباشرة من الجانبين، صدام وقوات التحالف. على رغم أن سطوة البث الفضائي كانت ضيقة إلا أن حضور الإعلام كان قوياً ولحظوياً حتى أن المقتطفات التي ينقلها التلفزيون الرسمي كانت حيوية على رغم جهود الرقابة والتشذيب للسيطرة على الصور التي تظهر فيها مجندات غربيات! في 2014 يملك كل فرد هاتفاً جوالاً مزوداً كاميرا، ويسكن الناس في مواقع التواصل الاجتماعي ناشرين كل لحظة يمرون بها، وتحيط الأقمار الاصطناعية بالأرض وما عليها، وينتشر المخبرون والمراقبون من كل جهة، ومع ذلك فإن الإعلام تراجع إلى حالة السماع والروايات وشهود العيان، ولم يعد ثمة مصدر سوى ما يأتي من متطوعين لا أحد يعرف انتماءهم ومدى حرفيتهم ليكونوا المراسلين المعتمدين. المشهد المتكرر إعلامياً في وسائل الإعلام المرئي هو صورة مقاتل ما يطلق زخات استعراضية من سلاحه عبر ثقب في جدار ناظراً إلى كاميرا زميله بابتسامة واثقة، بينما المراسل الخفي يتحدث عن اشتباكات عنيفة وتقدم الثوار (الثوار كلمة تعني كل شخص يحمل سلاحاً ويطلق منه النار تجاه آخر أو آخرين). أصبحت وسائل الإعلام، من شدة فقرها وعجزها، تتسوق في مواقع التواصل بحثاً عن صورة أو مقطع يبث الحيوية في أوصال شاشتها التي استحالت محطة إذاعية لولا بقايا الصورة. طوال الثورة السورية كان التخبط المعلوماتي هو السمة الثابتة مع فقر حاد في الصورة والتقارير الداخلية، ما أدى إلى نشوء جيل مختلف من المراسلين هم عملياً متحدثون رسميون لتنظيماتهم، يعبّرون عنها وينقلون الصورة من زاويتها، وأصبح بعضهم نجوماً على رغم الجهل التام بهوياتهم الفعلية وطبيعة دورهم. عند سقوط مدينة الموصل كانت مواقع "داعش" هي المصدر الإخباري الوحيد من حيث المعلومة والصورة إلى درجة أن جميع الوسائل الإعلامية أصبحت مجرد أدوات تخدم رسالته وتعمل لمصلحته شغفاً بأية معلومة وهرباً من الجفاف الحاد. الرقة تشبه مغارة سحرية، تتناقض الأخبار عن وضعها وتفاصيل ما يحدث فيها، وإن لم تنجح وسيلة إعلامية غربية في كشف المخبوء فلا أمل بأن تصل جنسية عربية إلى هناك. منذ أيام يحاصر «داعش» مدينة «عين العرب»، فلا تصل التفاصيل إلا عبر صورة باهتة من جهة الحاجز التركي، أما الأخبار فيصوغها كل مراسل عشوائي بحسب انتمائه، فمرة تسقط المدينة، وأخرى تصد الهجوم عليها، أما المعلومة بصرامتها فلا تصل أبداً. الأخبار اليوم مثل قصص الديناصورات، متعتها في درجة الخرافة، لأن الأرضية مائعة ومتحركة، ينتقي كل فرد الزاوية التي تناسبه، تماماً مثل الأفلام، إذ إن الجمالية والذائقة هي محور المتعة لا الحقيقة.

مشاركة :