مخاتلة (من الريان والسعد إلى مترو الرياض)

  • 2/17/2015
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

النصب لعبة رائجة ورابحة عربياً كأن الناس بلا ذاكرة أو التجارب المريرة لا تدق أجراس الخطر. أمس وقبله نشرت هذه الصحيفة «الحياة» خبرين لافتين عن عمليتي استثمار وهميتين ضحاياهما أكثر من ستة آلاف فرد من جنسيات مختلفة سلّموا أموالهم طواعية لوعد بالثراء السريع، ثم بدأ عويلهم حين اختطف المتلاعب مدخراتهم وهرب في مشهد متكرر في بداياته ونهاياته منذ أيام الريان والسعد في مصر والأجهوري في السعودية، الذي مضى على قصته الشهيرة أكثر من ثلاثين عاماً والحالمون يلاحقون بعض أموالهم التي إن حصلّوها فلن تبلغ عُشر قيمتها الفعلية من دون حساب الوقت والركض والانتظار المرير. لم يتعلم الناس، فكلما لوّح لهم مخادع بالثراء السريع تدافعوا لمنحه مالهم في انتظار وعد بالمكاسب السحرية، مع أن السحر الوحيد المتحقق هو اختفاء أموالهم وانتفاخ أرصدة المستثمر الوهمي الذي يمنحهم جرعة مخدّرة من المكاسب أول مرة فيندمون على شحهم ليسرعوا إلى بيع كل ما يملكون في انتظار ربح سهل يأتيهم وهم نائمون. عمليات الاحتيال هذه ليس فيها ذكاء، إنما تتكرر بتفاصيلها الثابتة فلا يتغير فيها سوى اللاعبين. الضحايا ليسوا أبرياء بل هم مدانون، فهم الذين يشجعون النصب والاستغلال، فالمشهد ليس جديداً، والحزانى يروون تجاربهم المؤلمة منذ عقود، ومع ذلك ففي كل مرة يرتفع عدد الخاسرين ويتبخر المزيد من المال فلا يبقى سوى قصة صحافية يقرأها الفرد مستغرباً هذه السذاجة ثم يطوي الصحيفة ليجيب أول نداء استغلال يسمعه. هؤلاء الناس مسكونون بقصص الفانوس السحري و«حواديت» الحسابات التي تمتلئ فجأة وحلم الثراء السريع المرتبط بالكسل، والمفارقة أن معظم هؤلاء يدفعون حصاد عمرهم وثمرة عملهم سنوات طمعاً بالربح الموعود. هم أنفسهم الذين يلجأون إلى السحرة لكي يحولوا الورق نقوداً أو يرشدوهم إلى كنوز تحرسها ثعابين مسحورة، أو حتى يسترشدوا بهم للمضاربة في الأسهم والعملات. الكسل والغباء لا يولّدان سوى الخسارة ولا ينتجان غير الوهم، ولعل انتشار الإعلانات التي توصل الربح إلى المرء من دون أن يغادر سريره، ومثيلاتها التي تطرد السمنة بغمضة عين بينما يسرف في الأكل، والتي تمنحه القوة والحيوية من غير حاجة إلى أن يحرك قدميه خطوة، هي نفسها التي تجعل الغش سبيلاً إلى التفوق ونيل الشهادات العليا حتى إن جهل اللغة التي نال فيها الدرجة العلمية. هي ثقافة محصّنة مدارها التبعية والانسياق والولع بالوهم وتصديق الأكاذيب والانجراف خلف كل صيحة سواء جاءت من جماعة جهادية لوحت بالجنة أم من محتال زعم استجلاب المال الوفير. لن ينتهي النصب ما دامت القابلية قائمة، وسيكون لكل عام قصته المضحكة وضحاياه المتباكين. الطريف أن النصابين لا يزيدون ذكاء عن عملائهم، فمثلاً محتال المدينة المنورة الذي غرر بأكثر من 260 فرداً هرب إلى دبي ولم يبحث عن مكان ينجيه من الملاحقة، ربما كان السبب أن حسن الظن، في بعض الأحيان، حصانة من الغفلة.

مشاركة :