لم يتدخل السيستاني في الشأن السياسي العراقي كما يفعل الآن، فهو كان أبرز الأطراف الضاغطة على نوري المالكي لمنع بقائه في منصب رئيس الوزراء، وهو يلتقي رئيس الوزراء حيدر العبادي، ثم رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بعد أعوام من العزلة والاحتجاب، بينما لم يستقبل المالكي ولا يبدو أنه سيفعل، كما أنه وجه طوال الفترة الماضية رسائل تدعم الوحدة والتعاون ونبذ الطائفية. هذا الحضور اللافت ربما يتصادم مع الموقف الإيراني، أو على الأقل يشكل جبهة جديدة لها صوت لا يخضع كلياً لطهران وتوجهاتها، ويعيد ترتيب المشهد العراقي وإن بشكل محدود مرشح للتنامي حال استمرار الحركة. بحسب صحيفة «السفير»، فإن السيستاني بارك زيارة معصوم إلى السعودية، مشيراً إلى أن «الضرورة تقتضي أن تكون العلاقات العراقية مع جوارها جيدة، وبالذات السعودية»، كما أن الرئيس حمل رسالة من السيستاني. ربما كانت زيارة الرئيس إلى النجف تستهدف البرهان على أنه يحصل على الدعم الكامل، وأنه لا يتحرك وحيداً في الساحة. الرئيس معصوم أعلن منذ أيامه الأولى أن أول زيارة خارجية له ستكون إلى الرياض، وهي دلالة مهمة ورسالة إيجابية تتفاعل مع التعاطي السعودي المرن مع العراق بعد إزاحة المالكي، لأن المشكلات كانت نتيجة سياساته وتوجهاته واتهاماته العشوائية وتجذيره الطائفية. زيارة معصوم مغلفة بروح ودية ظاهرة، إلا أن المهم هو نتائجها وما يستتبعها من خطوات من الحكومة العراقية الحالية، ومدى حرص رئيس وزرائها على تطبيق مقولاته الداعية إلى التعاون والعلاقات الجيدة مع الجوار، وقدرته على محو الأخطاء السابقة وإعادة اللحمة العراقية إلى التماسك. من النقاط الإيجابية أن اللغة الهجومية على السعودية تراجعت أخيراً، وإن كان بعض نواب المالكي يحاولون إحياءها تزامناً مع زيارة الرئيس العراقي في نية واضحة لإفشال الزيارة أو جعلها مدار توتر. من اللافت أن هذه الزيارة تزامنت مع أخرى قام بها نوري المالكي إلى طهران التي احتفت بها كثيراً، فهل العراق ينشط ضمن فريق جماعي أم أن التجاذبات هي التي تصنع الموقف وتجسد تبايناً حاداً في السياسة الخارجية؟ السعودية والعراق يواجهان أزمة الإرهاب، وهما أحوج إلى التعاون المفتوح، خصوصاً في مجال تبادل المعلومات، شريطة التحقق أن الصورة تغيرت، وأن سياسات المالكي مضت إلى غير رجعة، وهي مسألة لن تتبلور إلا بعد زيارة رئيس الوزراء وتحديد خطوات عمل واضحة، فالنوايا الحسنة وحدها لا تصنع طريقة عمل مهما كانت نبرتها عالية. زيارة الرئيس معصوم حظيت بالاحتفاء والروح الودية، لكنها وحدها لن تسقط جدار الحذر والريبة ما لم تقف الحكومة إلى جانبها، وتعتبرها تمهيداً وتأسيساً لمرحلة جديدة، مع التأكيد أن دور الرئيس العراقي أقوى منه في الأمس. الإرهاب يفرق الشعوب والحكومات، لكنه يوحدها أيضاً إن استشعرت خطره وحرصت على السلامة منه، وما جريمة «الدالوة» إلا رسالة واضحة بأن السعودية تنبذ الطائفية نبذها للإرهاب، وهي مسألة تستوجب من الآخرين إعادة حساباتهم ومراجعة مواقفهم.
مشاركة :