تحقيق: محمد ياسينطالب لم يتجاوز عمره الـ 15 عاماً يجلس مع أصدقائه بأحد الأماكن العامة يتجاذبون أطراف الحديث، وكل منهم يدخن سيجارته في وجه صديقه، ومراهق آخر يجلس بمفرده منشغلاً بهاتفه ويبدو عليه الانفعال وعلبة السجائر بجواره. مظاهر ومشاهدات تنتشر في عالمنا العربي، ليس فقط بين الرجال بل تتسع الدائرة وتنتشر عادة التدخين بين النساء والمراهقين، وهذه الظاهرة على الرغم من مساعي الحد منها إلاّ أنها ما تزال حاضرة في مجتمعاتنا العربية ولها نتائج كارثية على المدى الطويل، خصوصاً وأن عادة التدخين وسلوكياتها تنتقل من الآباء إلى الأبناء عبر تقليدهم وتجريب التدخين باعتباره شيئاً جديداً. وتبين التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، زيادة أعداد المدخنين عالمياً، حيث قدرت أعدادهم بحوالي مليار مدخن من الذكور و250 مليون مدخنة من الإناث. كما أشارت إلى زيادة ملحوظة بعدد المدخنين في كل يوم بما يزيد على 90 ألف مدخن أغلبهم من الأطفال، وبرغم ما أظهرته الدراسات والأبحاث الطبية والمعملية الدولية، من الآثار المدمرة للتدخين بشكل عام على صحة البشر إلاّ أن الظاهرة في زيادة ملحوظة.عرضت (الخليج) الملف على المسؤولين والخبراء وأصحاب الاختصاصات المختلفة للتعرف إلى أسباب ظاهرة زيادة أعداد المراهقين المدخنين وسبل التصدي لها.الفريق ضاحي خلفان، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، أكد على أهمية متابعة وتوجيه الصغار وتوعيتهم بمخاطر التدخين، مشيراً إلى أن الصغار عادة ما يقومون بتقليد الكبار القدوة؛ فإذا كان الوالد أو الأم تدخن فتكون النصيحة أصعب وأقل تأثيراً واستجابة من قبل الأطفال.وشدد خلفان على ضرورة وضع مزيد من الرقابة من قبل الجهات المختصة على محال بيع السجائر لمن هم دون 18 عاماً عبر حملات مستمرة ومتنوعة من خلال المتسوقين السريين، لكشف من يقوم ببيع تلك المنتجات لصغار السن ومخالفتهم وتشديد العقوبة على من خالف وباع السجائر للقصّـر.وأشار إلى أهمية تكثيف الحملات التوعوية للأطفال في المدارس والنوادي والمراكز الرياضية؛ لتعريفهم بمخاطر التدخين على الصحة، إلى جانب التوعية المنزلية واهتمام الآباء والأمهات بتوعية الأبناء ومتابعة أصدقائهم والتعرف إلى التغيرات في سلوكيات وعادات قد تظهر عليهم.بوابة الإدمان قال الدكتور محمد مراد عبدالله، مستشار نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، إنه لا شك في أن ظاهرة التدخين تعد من المشكلات الكبيرة والخطيرة على الصحة العامة لجميع فئات الأعمار وبالأخص صغار السن، لافتاً إلى عدد من الدراسات التي أثبتت أن تدخين السجائر من العادات التي تتسبب في أكثر من (25) مرضاً مختلفاً، مرتبط بالرئة والقلب والأوعية الدموية والصحة العامة بشكل عام.وذكر الدكتور عبدالله، عدداً من الدراسات ذات الصلة بموضوع تدخين الصغار، ومن بينها دراسة أجرتها شرطة دبي، والتي بينت أن نسبة 75 % من الطلاب المدخنين تنحصر أعمارهم في الفئة العمرية 12 - 16 عاماً، وهي مرحلة المراهقة المبكرة والمتوسطة، وأشار إلى دراسة أخرى أجرتها شرطة دبي، حول ظاهرة الإدمان والتي أظهرت أن التدخين يعتبر المدخل الرئيسي لتعاطي المخدرات وأن غالبية المتعاطين للجرعة الأولى كانت من خلال التدخين. مبادرات توعوية وحول دور جمعية توعية ورعاية الأحداث في التصدي لظاهرة تدخين الصغار، أكد الدكتور عبدالله أن الجمعية لديها برامج ومبادرات تنفذها على مدار العام لتوعية الطلاب بخطورة التدخين، وحث الأسر على متابعة أبنائها ودعوة المعلمين إلى الاهتمام بتوعية الطلاب بالابتعاد عن رفقاء السوء وبيان الضرر الذي يقع على الطلاب جراء التدخين، وتابع أن جمعية توعية ورعاية الأحداث أجرت دراسة متخصصة حول ظاهرة تدخين الشيشة، وجاءت توصياتها مخاطبة للجهات الرسمية والمسؤولة عن تراخيص المقاهي وتشديد الرقابة عليها وعلى محال بيع التبغ. كارثة عالمية اعتبر د.ناجي هلال، أستاذ علم الاجتماع الجنائي بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض، مشكلة التدخين وإدمان الأطفال الصغار، كارثة عالمية انتقلت إلى مختلف أقطارنا متأثرة بالقرية الكونية التي نعيش فيها، مضيفاً أنه بعدما كان الخطر محدقاً بطلاب المدارس المراهقين، بات الآن الخطر ينال من الأطفال الصغار، خاصة المعرضين للخطر بحكم ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي أوقعتهم فريسة في محرقة التدخين وإدمان المخدرات.وقال: إن ظاهرة الانحراف وجنوح الأطفال من الظواهر القديمة المنتشرة في كل المجتمعات، ولكنها تختلف مع ذلك في الدوافع والأسباب المؤدية إليها لاختلاف محددات السلوك والمعايير والقيم السائدة في المجتمع، وكذلك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.وأكد أن انتشار التدخين وإدمان الأطفال بنسب مختلفة، يهدد مستقبل الأمن القومي في المنطقة كلها، مشدداً على أهمية التوعية الأسرية وضرورة رعاية الأطفال واليقظة المستمرة ومراقبة سلوكهم وهي أحد العوامل الرئيسية في تشكيل حائط وسد منيع تجاه التدخين والإدمان وإقدام الأطفال على الأفعال غير المنضبطة. وأرجع تنامي أعداد المدخنين والمدمنين بين الأطفال، إلى تصدع الأسر وعدم الاستقرار الاجتماعي وزيادة تدليل الأطفال في الأسرة الثرية والتي تترك تربية أبنائها إلى فئات العمالة المساندة وعدم الاهتمام بأمورهم، في حين يتربص بالأبناء مروّجو المخدرات، ويعتبرونهم فريسة يسهل اصطيادها. تفشي الظاهرة أوضح د.كمال قابيل أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، دور وسائل الإعلام في تفشي بعض الظواهر السلبية ومن بينها تدخين الصغار، وقال: إن وسائل الإعلام التقليدية لها دور خطر في نشر تلك العادة السيئة والمدمرة والقاتلة والتي تفتح أمام الأطفال أبواباً عديدة للانحراف ومن بين هذه الأبواب، التدخين وإدمان المخدرات بأنواعها، واعتياد الإسراف والإنفاق على ما يضر والاستهتار وغيرها من السلبيات.وعن الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بالإعلام الجديد، أكد أن التطور التكنولوجي وما أفرزه من أدوات حديثة يستخدمها الجميع أصبحت المحرك الأخطر للنشء، فرادى أو في مجموعات محدودة، مما أضعف الرقابة الأسرية والمجتمعية. وطالب المسؤولين بتفعيل مواثيق الشرف، والنص على التزام جميع الوسائل بعمل كل ما تستطيع، من أجل حماية النشء من هذه العادة وتوابعها فضلاً عن الرقابة المجتمعية والأسرية للصغار. حب الاستطلاع حول الأسباب النفسية التي تؤدي إلى التدخين والإدمان، أوضحت الدكتورة حنان حسين، استشاري الطب النفسي في مركز دبي لصحة المجتمع، أن الصغار يقدمون على التدخين من منطلق الشغف بتجربة ما هو جديد وحب الاستطلاع وعادة يشجع الأصدقاء بعضهم البعض لخوض هذه التجربة، وأشارت إلى أن عادة التدخين على الأغلب لا تتحول إلى عادة خاصة إذا لم يكن الآباء من المدخنين، وإذا كان الطفل أو المراهق له طموحات رياضية ويشارك في أنشطة وهويات يومية ولديه أصدقاء غير مدخنين. واعتبرت أن المراهق إذا نشأ في بيئة مدخنة؛ فمن المتوقع أن يكون الطفل من المدخنين وذلك لأن الطفل يرى مثله الأعلى وقدوته مدخناً.وقدمت نصيحة للآباء بدءًا من التوعية منذ الصغر بمساوئ التدخين؛ وذلك عبر عرض الحقائق عن الآثار الصحية السلبية للتدخين، والابتعاد عن تبرير أن أحد الأبوين يدخن لأنه كبير؛ حتى لا يعتقد الطفل أن التدخين هو عنوان الرجولة أو الكبر، والاهتمام بتنمية الاهتمام بالرياضة لدى الأطفال فيبتعد تلقائياً عن ممارسة أي عادات غير صحية و ليس التدخين فقط.واختتمت حديثها بنصيحة الآباء بإدراك خطورة المثل الأعلى وأن يحاولوا الاعتراف بأنها عادة سيئة وأن يقلعوا عنها مما يعطي المثل للأبناء في قوة الإرادة و التحكم في النفس حتى و لو لم يكن هناك رقيب عليهم؛ فالإنسان يجب أن يكون رقيباً على نفسه. القانون يواجه حظرت المادة (5) باللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم (15) لسنة 2009 بشأن مكافحة التبغ، في القرار رقم (24) لسنة 2013 للحد من انتشار استخدام التبغ،بيع أو الشروع في بيع التبغ أو منتجاته لمن لا يتجاوز عمرُه 18 سنة، وللبائع الحق في أن يطلب من المشتري تقديم الدليل على بلوغه هذه السنّ، ولا يقبل عذراً أو الجهل بالسنّ.وتصل عقوبة المخالفة لبنود القانون الحبس لمدة سنة وغرامة مالية لا تقل عن 100ألف درهم.
مشاركة :