نبرة التشدد أعلى من صوت الدولة والنخب بقلم: أحمد جمال

  • 12/22/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

فنانو مصر يرفضون تشكيل لجنة لمتابعة الأعمال الدرامية وتحويل القائمين عليها للمساءلة في حال وجود تجاوزات بها.العرب أحمد جمال [نُشر في 2017/12/22، العدد: 10850، ص(12)]موجة غضب بسبب اتهام فيلم شيخ جاكسون بازدراء الإسلام والإساءة لمصر القاهرة – انعكست التشوهات المجتمعية والدينية التي يعاني منها المجتمع المصري سلبا على حرية الإبداع، ففي وقت أصبح فيه الإبداع عابرا للحدود مازالت القوانين المصرية تعطي السلطات حق الرقابة على الإبداع من قبل جهات عديدة لا تشمل فقط الأجهزة الرقابية المختصة لتمتد إلى جهات أخرى غير مختصة في الأعمال الفنية. وأعلن المجلس الأعلى للإعلام، مؤخرا، عن تشكيل لجنة لمتابعة الأعمال الدرامية وتحويل القائمين عليها للمساءلة في حال وجود تجاوزات بها. وواجهت رفضا من قبل بعض الفنانين. وأحالت النيابة العامة مؤخرا فيلم شيخ جاكسون إلى لجنة من مؤسسة الأزهر، لإبداء رأيها في اتهامه بازدراء الإسلام والإساءة لمصر، بعد أن تم التحقيق مع مخرج الفيلم عمرو سلامة، وهو ما واجه انتقادات عديدة من قبل القائمين على الأعمال الفنية في مصر، واعتبروه بمثابة تدخل من قبل السلطة الدينية للرقابة على المحتوى الفني. ووجه سلامة عدة تساؤلات استنكارية إلى الحكومة والمجتمع في آن واحد، قائلا “هل سيقيّم الأعمال الإبداعية علماء دين ليسوا مختصين في الفن أو الإبداع، وهل يجب بعد ذلك أن نفكر في كل أفلامنا من منطلق ديني؟”. وكتب على صفحته في فيسبوك عقب التحقيق معه، “هل يمكن أن تقوم الدولة بالتحقيق مع صناع فيلم شارك في المهرجانات العالمية والإقليمية المرموقة، وقامت بترشيحه ليمثلها في الأوسكار، بعد أن وافقت رقابتها عليه؟”. وأشار سلامة إلى أن الشكوى جاءت على أحد المشاهد، الذي يجسد حلم تخيله البطل، وكأنه يرى المطرب العالمي الراحل مايكل جاكسون في الجامع، معربا عن اندهاشه من عرض الفيلم على جهة دينية وليست فنية للتحقيق فيه. وقال محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية (المنوط به مراجعة الأعمال الإبداعية التي تمس الدين الإسلامي)، إن إحالة النيابة العامة إلينا، وسيتم عرضها على لجنة شرعية لبيان صحة الاتهام من عدمه، وأن الدستور وقانون الأزهر هما من أعطيا هذه السلطة لمؤسسة الأزهر باعتبارها مؤسسة تدافع عن الدين الإسلامي. وأضاف لـ”العرب”، أن الأزهر من حقه أن يؤيّد اتهام الفيلم في حال وجد أن إخراجه تم بصورة مبتذلة وفيها إساءة للدين الإسلامي أو السخرية منه، أو هناك أي إساءة للرموز الدينية أو رموز الأزهر وتحتوي على انتقادات غير بناءه وتهدف إلى التقليل من شأنه، أو أنها تمس أحد المقدسات. ومنذ العام 1994 أضحى الأزهر من حقه أن يتدخل في محتوى الفيديو، في أعقاب إصدار قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة (أكبر محكمة في مصر) موافقته على أحقية الأزهر في التصدي للأعمال الفنية والمصنفات السمعية والبصرية التي تتناول قضايا إسلامية بشكل يرى أنه يتعارض مع الإسلام ومنعها من الطبع أو التسجيل أو النشر والتوزيع والتداول.تراخي الدولة سمح بأن تكون نبرة صوت التشدد أعلى كثيرا من صوت الدولة، وفي مقابل ذلك فإن صوت المثقفين والمبدعين أصبح خافتا وغير مؤثر وتعبّر قضية فيلم “شيخ جاكسون” وغيرها من القضايا التي شهدت تدخلا من جهات عدة عن وجود أزمة مجتمعية للتعامل مع الأعمال الإبداعية، في ظل صمت رسمي في مواجهة الأزمات التي تواجه الإبداع، خاصة وأن تلك التدخلات تكون إما دينية من قبل مؤسسة الأزهر وإما الكنيسة المصرية، وإما قانونيا في ظل استمرار قوانين ازدراء الأديان، وكذلك عدم إدخال تعديلات تشريعية على قوانين الرقابة على الأعمال الفنية. وقالت الناقدة الفنية ماجدة موريس إن التشدد في مواجهة الإبداع المصري له أسبابه المجتمعية والسياسية والتي تطغى على تعامل الدولة في ما يتم إصداره من أعمال. وأضافت في تصريحات لـ”العرب”، أن تراخي الدولة سمح بأن تكون نبرة صوت التشدد أعلى كثيرا من صوت الدولة، وفي مقابل ذلك فإن صوت المثقفين والمبدعين أصبح خافتا وغير مؤثر. وأشارت إلى أن الأفكار المتطرفة مازالت لها الكلمة العليا حتى الآن، بالرغم من أن الدولة المصرية تعلن مرارا وتكرارا أنها تواجهها، وبالفعل هناك إجراءات كثيرة صبت في هذا الاتجاه، غير أن توغّل التطرف في أعماق الأسر المصرية ينعكس أيضا على تفاعلات مجلس النواب المصري والذي رفض العام الماضي قانونا يلغي ازدراء الأديان من قانون العقوبات. ويرى العديد من الفنانين أن تأثيرات الأوضاع الاجتماعية خلال حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك وما قبلها تجلت من خلال رد الفعل الرسمي والشعبي على الأعمال الإبداعية، فما كان مسموحا به في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم يعد مسموحا به في الألفية الجديدة. ويذهب البعض للتأكيد على أن تقييد حرية الإبداع يرتبط أيضا بالقائمين على العمل الثقافي والفني داخل مصر، بعد أن أضحت المؤسسات الدينية أو غيرها من المؤسسات المختصة صاحبة الكلمة العليا في ما يتم عرضه على جهاز المصنفات الفنية من أعمال، والذي بدوره يقوم بإحالة أي عمل متخصص تحديدا فيما يتعلق بالقضايا الدينية أو القضايا العسكرية إلى جهات الاختصاص، وبالتالي فإن الأمر ينطوي على تقييمات غير إبداعية بالأساس. وبحسب موريس، فإن القائمين على نقابة المهن التمثيلية بالتعاون مع جهاز الرقابة على المنصفات الفنية أسسوا في تسعينات القرن الماضي لجنة استشارية عليا، احتوت على بعض الشخصيات التي لها علاقة بالمجال الفني من كتاب ونقاد ومخرجين للنظر في الأعمال التي كانت تواجه رفضا من قبل جهات التخصص قبل أن يتم إلغاؤها في العام 2011. وكان دور هذه اللجنة إعادة تقييم الأعمال التي ترفضها الجهات المتخصصة بوجهة نظر إبداعية بغض النظر عن المواقف الأخرى، وهو ما حدث مع فيلم “بحب السيما” والذي رفضته الكنيسة المصرية قبل أن توافق عليه اللجنة وأصرّت على عرضه في ذلك الوقت. وقال سيد خطاب، رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية سابقا، لـ”العرب”، إن القوانين التي تراجع الأعمال الفنية لم يتم إدخال تعديلات جذرية عليها منذ الخمسينات من القرن الماضي، وبالتالي فإنها لا تتماشى مع الأوضاع الحالية، كما أن وجود سلطة المنع من قبل الأجهزة الرقابية يعد تعديا على حرية الإبداع بالأساس. وأوضح أن هناك جمودا برلمانيا في التعامل مع القوانين المقدمة بشأن حرية الإبداع، منها ما تم تقديمه في العام 2015 وتم رفضه، لافتا إلى أن اتهام عمل سينمائي بازدراء الأديان قد تكون له تأثيراته السلبية على مجمل أعمال السينما المصرية مستقبلا.

مشاركة :