الأوقاف المصرية.. تأنيث محاربة التشدد لا خلاف في مشروعية سعي الدولة المصرية إلى بسط نفوذها على كل الفضاءات الدينية، خاصة التي كانت خلال سنوات مضت تحت سيطرة تيارات دينية متشددة، لكن هذا السعي الرسمي، رغم استناده على إرادة سياسية راسخة، إلا أنه ظل غير مكتمل لأسباب متداخلة. لذلك مثل التفطن إلى أن هذا المسعى المشار إليه أهمل قسما اجتماعيا كبيرا ولم يدرجه في حسابات معركته ضد التشدد، وهو المرأة، مرتكزا أساسيا في تعيين واعظات للعمل بالمساجد المصرية لمحاصرة تسرب الأفكار المتشددة داخل الفضاءات النسوية التي كان يصعب ضبطها ومراقبتها خاصة في المناطق المحافظة. العربأحمد جمال [نُشرفي2017/02/15، العدد: 10544، ص(13)] واعظات لتجنيب النساء المصريات خطر الوقوع في براثن التشدد جاء إعلان وزارة الأوقاف المصرية عن تعيين 144 سيدة بوظيفة واعظة للعمل بالمساجد أخيرا، ليفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول الأدوار التي سوف يقمن بها للحد من استغلال المساجد في تجنيد الفتيات للانضمام إلى التنظيمات الإسلامية المتشددة، وهو الدور الذي أجاد الإخوان والسلفيون لعبه على مدار سنوات عديدة. وزارة الأوقاف المصرية أعلنت أن الواعظات الجديدان من خريجات الكليات الشرعية بجامعة الأزهر، وتم توزيعهن على المساجد الكبرى على مستوى المحافظات، ومقرر أن يبدأ عملهن مطلع الشهر المقبل، وأن أدوارهن ستنحصر في إلقاء الدروس الدينية والرد على التساؤلات وتصحيح المفاهيم المغلوطة في جميع النواحي الفقهية. وبحسب مصادر بالوزارة، علمت “العرب” أن هناك دفعات متتالية سوف يتم الإعلان عنها خلال الفترة المقبلة، وأن تعيين الدفعة الأولى خطوة أولى لتنشيط العمل النسائي الدعوي والدفع بالنساء بقوة في مجال الدعوة، وأن الوزارة بدأت في هذا التوجه بعد سيطرتها على غالبية المساجد المصرية عقب اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، وملاحظتها غياب تحصين الفتيات من دعاوى التطرف. وبحسب بعض المراقبين، فإن الحكومة المصرية تهدف من خلال تلك الخطوة إلى مواجهة نشر بعض الأفكار المتشددة التي كان لها أثر سلبي على عادات وتقاليد المجتمع، حيث انعكست تأثيراتها السلبية وبشكل مباشر على سلوكيات المرأة، مثل فتاوى نشر النقاب باعتباره زيا إسلامياً، وكذلك تحريم الاحتفال ببعض الأعياد. وذهب آخرون إلى التأكيد على أن القرار الجديد يأتي ضمن خطة الحكومة لمواجهة تحركات التيار السلفي، الذي عمل على مدار السنوات الثلاث الماضية على إنشاء عدد من المراكز والمعاهد السلفية لنشر أفكاره بالمحافظات، استنادا على مشاركته بحرية في الحياة السياسية المصرية، كما أن الخطة ترتبط أيضاً بالقضاء على أي ذيول لجماعة الإخوان تحديدا داخل القرى والنجوع في ريف وصعيد مصر. وكانت جماعة الإخوان تحترف مهمة حشد وتجييش الفتيات لصالحها، من خلال بعض المساجد التي كانت تسيطر عليها، بالإضافة إلى تزايد نشاط الأخوات المنتميات إلى التنظيم بالأقاليم المصرية المختلفة، كما أنها استخدمت فتيات المساجد للترويج لسياساتها قبل أن تصل إلى سدة الحكم في عام 2012، وعملت من خلالها على حشد الفتيات للتصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي فازت بها في ذلك الوقت. وقال كمال حبيب، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، لـ”العرب”، إن قرار وزارة الأوقاف يعد جزءاً من معركة بسط النفوذ على المساجد، والتي بدأتها الوزارة منذ انتهاء حكم الإخوان، حيث أعطت الضبطية القضائية للخطباء المعتمدين لديها في مواجهة أي مخالفات داخل المساجد، وبالتالي فإن الأمر ينطوي على المرأة التي غابت الرقابة الحكومية عن دورها داخل المساجد. وأضاف أن المساجد بالنسبة إلى تيارات الإسلام السياسي المختلفة تعتبر الطُعم الذي تصطاد به تلك الجماعات الفتيات لتجنيدهن، بعد أن يتم الاتفاق على عقد دروس دينية بعيداً عن أعين أئمة المساجد خارجها، ويكون ذلك إما داخل مراكز تم غلق العديد منها عقب ثورة 30 يونيو، وإما من خلال الدروس الدينية بالبيوت، وهو ما تود الحكومة المصرية القضاء عليه من خلال الرقابة المحكمة على ما يتم ترويجه للفتيات داخل المساجد. قرار وزارة الأوقاف المصرية هو جزء من معركة بسط النفوذ على المساجد، والتي بدأتها الوزارة منذ انتهاء حكم الإخوان ويعتقد الكثيرون أن خطوة وزير الأوقاف في الوقت الحالي تحديداً لا تنفصل عن أمرين مهمين، الأول يتعلق بالتعديل الوزاري الذي تم الانتهاء منه أمس الثلاثاء، وهي خطوة قد يصب الترحيب المجتمعي بها في زيادة أسهم استمراره في منصبه، والأمر الآخر يتعلق بتجديد الخطاب الديني الذي فشل في أن يحرز أي تقدم به على مدار العامين الماضيين، كما أنه يأتي في أعقاب غضب رئاسي مصري عبر عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن تجديد الخطاب الديني، في أكثر من مرة. وهو ما أكد عليه الشيخ أحمد ربيع الأزهري، الباحث في شؤون الدعوة وتجديد الخطاب الديني، مشيراً إلى أن أدوار الواعظات سوف تتركز بالأساس على تصحيح الأفكار التي تبث إليهن والحفاظ على هوية الأمة وخصوصية المجتمع، بالإضافة إلى التركيز على مهارات التواصل الثقافية والحياتية الوسطية للأزهر الشريف. وأوضح في تصريحات لـ”العرب”، أن فلسفة وجود داعيات بصفة عامة داخل المساجد للتواصل مع السيدات تقوم على التواصل مع المرأة المصرية المحافظة، لا سيما في الريف والصعيد، والتي يكون تواصلها مع امرأة أكثر أريحية لها خاصة في القضايا الفقهية الخاصة بالنساء والأسرة. ورغم أن قرار وزارة الأوقاف المصرية يبدو تكريساً لتنامي أدوار المؤسسات الدينية في المجتمع المصري، إلا أنه لاقى قبولاً في أوساط نسوية حقوقية مصرية، بعد أن رحبت مايا مرسي -رئيس المجلس القومي للمرأة (منظمة حقوقية حكومية)- بالقرار الأخير، من خلال تصريحات إعلامية أدلت بها مؤخراً، في ما اعتبرت مقربات من الحكومة أن القرار يتماشي مع التوجه الرسمي الذي أطلق على العام الحالي بأنه عام المرأة المصرية. على جانب آخر فإن البعض ربط بين الخلافات المعلنة بين وزارة الأوقاف والأزهر الشريف، وبين اتخاذ قرار التعيين في الوقت الحالي، عقب إعلان مؤسسة الأزهر في شهر نوفمبر الماضي عن مسابقة لتعيين 500 واعظة خلال مسابقات اختيار الدعاة التي سوف يتم فيها تعيين ألفي داعية وإمام خلال العام الجاري. الغريب في الأمر أن عام 2015 شهد إجراء مسابقة من قبل وزارة الأوقاف المصرية لتعيين واعظات على سبيل التطوع، ونجحت منهن 300 واعظة من أصل 900 واعظة تقدمن للمسابقة، إلا أن وزير الأوقاف الحالي محمد مختار جمعة ألغى هذه النتائج لأسباب غير معلومة. وهناك ثلاثة أنواع من الواعظات السيدات بالمساجد، أولها المرشدات الدينيات المعيّنات في الوزارة، اللواتي لهن راتب ثابت مثل الإمام، وثانيهما الواعظات الإسلاميات من الدرجة الثانية ولهن راتب شهري بالمكافأة، أمّا العمل التطوعي فيعتبر نوعا ثالثا لعمل الأزهريات في الوزارة كونه تطوعيا دون أجر. وقال سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، لـ”العرب”، إن هناك ازدواجية في الأدوار بين كل من مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف، وبالتالي فإن كل طرف يحرص على أن يكون له السبق في التطوير، وتلك الازدواجية تسببت على مدار السنوات الماضية في أن تكون هناك قوة مهملة داخل المساجد لا يتم الاستفادة منها. وأضاف أن التوجه نحو تعيين واعظات بالمساجد بدأ منذ عام 2009 حينما تم تعيين 50 واعظة بالمساجد الكبرى، إلا أنهن فشلن في تحقيق الغرض من تعيينهن لقلة عددهن، وأضحت العديد من المساجد الكبرى يتم فيها الترويج لأفكار مغلوطة دون أن تكون هناك دراية لأئمة المساجد بما يتم ترويجه في مناطق تواجد السيدات.
مشاركة :