ليس هناك ما يبرر الشك في كل تقارب خليجي- سعودي خاصة- مع الجزائر يظهر من خلال النشاط القليل والحذر، بل المطلوب إرساء ثقة مؤسسة من الناحية التاريخية على الدعم العربي لحرب التحرير الجزائرية.العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 2017/12/22، العدد: 10850، ص(8)] تطرح الصحافة المكتوبة في الجزائر بين الفينة والأخرى، وكذلك بعض الإعلاميين الجزائريين الموظفين في قنوات عربية- خاصة تلك المعنية في الوقت الراهن بقيادة حملة دعائية ضد الدول المقاطعة لقطر- خطابا انتقاديا لأي نشاط تقوم به المملكة العربية السعودية في الجزائر، مع محاولة دائمة لتسفيه أعمالها حتى لو كانت أعمالا خيرية تطوعية، وتضعها محل شك، وتسوّقها على أنها تدخّل في الشؤون المحلية الخاصة، ما أثر سلبا على الرأي العام، وعلى الجمهور العريض من العامة ضمن مواقف ارتجالية وعاطفية تجلت في أفعال شعبية تسيء لسمعة الدولة الجزائرية، مثل واقعة رفع اللافتة المسيئة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بملعب عين مليلة بولاية أم البواقي (الشرق الجزائري)، ودفعت برئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى إلى الاعتذار، مثلما أعلن وزير العدل حافظ الأختام، الطيب لوح، عن فتح تحقيق في الواقعة بولاية أم البواقي، وذكر “أن نتائجه الأولية تشير إلى أن ما حدث يعدّ فعلا معزولا وانفراديا”، وإن كانت بعض الأطراف تتهم أحزابا دينية بتحريك الشارع والجمهور الرياضي على خلفية رد الفعل على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس. المهم أن الخطاب الإعلامي غير الرسمي ترتّب عنه اتساع مساحة الشك، وتسْفيه كل موقف تتَّخذه السعودية سواء كان خاصا بها أو له صلة بالعرب والمسلمين، إضافة إلى تعميم الحكم على باقي الدول الخليجية الأخرى. فكيف ترسخت هذه القناعة؟ وهل هناك ما يبررها؟ قبل تقديم إجابة ولو أوليّة عن الأسئلة السابقة، علينا أن نقرّ بوجود سوء فهم من الطرفين المغاربي والخليجي للعلاقة العربية المشتركة بينهما، ولن ندخل في التفاصيل لأن الموضوع يتطلب شرحاً مطولا. لكن بالنسبة للجزائريين تحديدا، هناك رفض في المطلق لقيام أي أطراف خارجية بنشاط مشروع داخل البلاد حتى لو كانت عربية، وهذا أمر له أسبابه وخلفياته، وأعتقد أن العرب في الخليج والمشرق، وليس السعوديون فقط، لا يملكون الحقائق الكاملة لتعاطيهم مع الشعب الجزائري، ولذلك من الضروري مدّ جسور ثقافية على شكل قوافل دائمة لما في ذلك من حماية وجودية لأمتنا العربية. إن مسألة الخلاف التاريخي بين المركز والأطراف- من منطلق الحضور والحماية والدور والإشعاع الثقافي والحضاري وأيضا المرابطة على الحدود لحماية الوجود والهوية- لا تزال قائمة إلى الآن، ولا شك أن البُعْد الجغرافي قد لعب دورا لجهة خوف الإنسان العربي من أخيه “الآخر العربي”، ومن هنا يتمّ التخويف من كل ما هو خليجي، ومما هو سعودي تحديدا، ويختلط النقد أحيانا بالتخوين، يقابل ذلك بطرح خليجي وسعودي بوجه خاص، ينطلق من قاعدة أنّ الفهم للجهد الخليجي سيتم تفسيره بشكل إيجابي مع الأيام، مصحوبا بمسعى للتأييد السياسي لكل المواقف حتى لو لم تكن محلّ رضا أو تأييد من الأطراف العربية الأخرى، ويمكن لنا إدراك هذا من المواقف المختلفة والمتباينة وأحيانا المتناقضة بين السعودية والجزائر حول عدد من القضايا العربية المصيرية. هناك أمر آخر في غاية الأهمية لا يتم التصريح به علانية على المستوى الرسمي، وحين يذكر في الإعلام يأتي بشكل هجوم مرتبط بزمن الحدث، وهو وجود قناعة لدى كثير من العرب وليس لدى الجزائريين فقط، على خلفية إعلامية، وهي أن السعودية، ودول الخليج العربي الأخرى، لا تسهم بعمل إلا بغرض السيطرة وبهدف الترويج لمواقفها، ولم تتم معالجة هذا الأمر سياسيا، وأسباب تلك القناعة في الجزائر إما الجهل، وإما الحساسية الوطنية المشكّكة في أيّ حضور أجنبي (حتى لو كان عربيا) نتاج ميراث استعماري أو لدافع أخطر، وهو رفض أيّ تقارب مع العرب لصالح دُعاة الفرنكوفونية في الجزائر. ليس هناك ما يبرر الشك في كل تقارب خليجي- سعودي خاصة- مع الجزائر يظهر من خلال النشاط القليل والحذر، بل المطلوب إرساء ثقة مؤسسة من الناحية التاريخية على الدعم العربي لحرب التحرير الجزائرية، من ذلك الدعم السعودي، على المستويين المعنوي والمادي، فبالنسبة للجانب المادي، فإنّ ذلك نجده مجسَّداً في الوثائق والمراجع وفي كتب التاريخ، ومحفوظا في الذاكرة الجزائرية، لكن لا تعرفه الغالبية من الشعب، وقد أعاد التذكير به وزير العدل الطيب لوح حين قال إن “الجزائر والمملكة العربية السعودية بلَدان شقيقان تربطهما علاقات تاريخية، توطدت عبر مر السنين، وتتميز بأواصر الأخوة والقربى والتعاون والتضامن”. وضمن هذا الموقف العلني ذكر أنه “في العام 1956 كان خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- الذي ترأس منصب أمير منطقة الرياض في ذلك الوقت- على رأس صندوق التضامن الذي أنشأه الملك سعود تضامناً مع الشعب الجزائري في ثورته التحررية ضد الاستعمار، وأن الأمير فيصل بن عبدالعزيز كان أول من وقف إلى جانب الشعب الجزائري في ثورة أول نوفمبر 1954 وطالب بتسجيل القضية الجزائرية في مجلس الأمن الدولي”. من ناحية أخرى، فإنّ الاختلاف في المواقف شأن يخصُّ قادة الدول وحكوماتها، ويفترض ألاّ يطال الشعوب، وهنا علينا أن نبيّن أن أي حضور سعودي في الجزائر يتم بموافقة السلطات الجزائرية، وهو شأن يخص مؤسسات الدولة الرسمية، وليس مجاله الإعلام، وأن ذلك الحضور- إن تحقّق- لا يعني أن السعودية ستغيّر سياسة الجزائر وقناعات شعبها، وإنما هو يأتي ضمن مسؤوليتها العربية، وهي ليست دولة استعمارية، وأن الحملة على نشاطها في الجزائر غير مبررة، ومن العدل أن تتوجه الحملة ضد دول وأطراف أخرى تؤثر اليوم داخل البلاد على المواقف السياسية، وصناعة القرار، ومشاريع التنمية، والهوية، والسلم الاجتماعي. كاتب وصحافي جزائريخالد عمر بن ققة
مشاركة :