وصف الدكتور والاقتصادي ماجد بن عبدالله الهديان، المتخصص في قانون الاستثمار، ميزانية هذا العام بأنها "ميزانية العطاء"، وقال لـ"سبق": "تُعد رؤية المملكة 2030م، هي المرجعية التي تتبناها وزارة المالية في إعداد الميزانية، حيث تم وضع عدة أسس منها تنويع مصادر الدخل، وتحقيق التنمية بالطاقات والموارد البشرية، وتكريس التوجه نحو الاستثمار في الاقتصاد المعرفي، وخاصة الطاقة المتجددة، وتوطين الوظائف من خلال تطوير قدرات الموارد البشرية الوطنية وتأهيلها". وأضاف: "تعتمد الميزانية على عدة ركائز منها: تلبية متطلبات تفعيل برنامج التحول الوطني الهادفة إلى رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وإيجاد التوازن المالي، وتقليص الاعتماد على النفط، ولذا أعدت ميزانية العام 2018م في ضوء التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية، وهي أكبر ميزانية إنفاقية توسعية في تاريخ المملكة رغم تراجع أسعار النفط بواقع النصف عن السنوات السابقة". وبين "الهديان" أن إعلان ميزانية 2018م؛ يأتي كميزانية تنمية ولا تبحث عن استقرار في ظل تذبذب أسعار سوق النفط، ما يُعد مؤشراً قوياً على متانة الاقتصاد الوطني السعودي وقدرته على مواجهة الأزمات، وتؤكد على كفاءة الإنفاق الحكومي خلال الفترة الماضية، حيث يُلمس نمو الإيرادات غير النفطية وانخفاض في العجز وتقليص النفقات؛ فالإنفاق الحكومي أصبح بأقل من الأرقام المعلنة أو المتوقعة، وهذا يعني نجاح السياسة الاقتصادية، وخاصة الإجراءات الحازمة لترشيد الإنفاق الحكومي، مع ضمان استمرارية تقديم الخدمات العامة بأقل تكلفة ممكنة، وهذا أثمر في وفر مالي كاد أن يكون هدراً لولا توفر الكفاءة المهنية في مواجهة تلك المصروفات. وأردف: "إعلان ملامح الميزانية العامة غير المسبوقة في مثل هذه الظروف؛ تؤكد على مواصلة جذب وتشجيع القطاع الخاص من خلال الاستثمارات الوطنية والأجنبية في ظل سعي جاد وملموس في أرقام الموازنة العامة نحو تحسين مستوى الخدمات العامة، وخاصة البنية التحتية، وإيجاد برامج تركز على نمو القطاعات غير النفطية، و-بحول الله- ستكون الميزانية العامة بمنأى عن تذبذب أسعار النفط وأكثر أماناً في ظل سياسة التنوع الاقتصادي كثمرة تفعيل آليات الإصلاح الاقتصادي لتحقيق الرؤية، في ظل أن هذه الميزانية تحمل في دلالتها ومعطياتها الكثير من محفزات الاستثمار وخاصة الأجنبي، مما يجعل المملكة واجهة جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية وإقامة المشاريع التنموية غير التقليدية". وختم الدكتور حديثه قائلاً: "في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، فإن أرقام الميزانية العامة لعام 2018م، تعكس واقع الحال الماثل في سياسة اقتصادية ناجعة بما تضمنته من إجراءات حازمة لإصلاح منظومة الاقتصاد الوطني". من جهة أخرى، قالت المستشارة الاقتصادية الدكتورة نوف الغامدي لـ"سبق": "إن الميزانية هذا العام جرى إعدادها وفق آلية جديدة، وهذه الآلية تحقق المساهمة الفاعلة والمطلوبة لتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي بالنسبة للجهات الحكومية، حيث زاوجت بين الإعداد من أسفل إلى أعلى "متطلبات الجهة المستفيدة"، وبين منهجية الإعداد من أعلى إلى أسفل (انطلاقاً من متطلبات النمو والتنمية الاقتصادية والاستدامة للمالية العامة)". وأضافت: "التغييرات التي حققتها هذه الآلية تسهم في تحسين جودة ودقة وشفافية الحسابات المالية، مع وضع وتنفيذ إطار مالي عام على المدى المتوسط لتحسين عملية إدارة المخاطر وتحديد السياسات التي سيتم تنفيذها على المدى المتوسط من خلال أهداف قابلة للقياس، وكذلك التمهيد لإدخال حساب موحد للخزانة المالية لإدارة الموارد النقدية على نحو أفضل، والانتقال من المحاسبة على الأساس النقدي إلى المحاسبة على أساس الاستحقاق". وتابعت: "فيما نترقب الميزانية، لابد من فهم أن برنامج التحول هو لإعادة هيكلة الحكومة، وأن مبادرات التحفيز هي لإعادة هيكلة القطاع الخاص، وأن حساب المواطن لإعادة هيكلة الدعم الحكومي، وأن الميزانية لم تعد مجرد أداة لتوزيع إيرادات النفط، بل أداة لتحقيق الرؤية". وأكدت الدكتورة نوف أن "هذه الميزانية تعد أكبر ميزانية إنفاق في تاريخ المملكة بأسعار نفط متدنية مقارنة بالسنوات السابقة، ركزت على تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل من خلال إطلاق 12 برنامجاً لتحقيق أهداف الرؤية في تنويع القاعدة الاقتصادية، تحقق من خلالها خفض في عجز الميزانية للعام المالي الحالي بنسبة تجاوزت (25 %) مقارنة بالعام المالي الماضي، وتهدف إلى خفض العجز في ميزانية العام القادم ليكون أقل من (8 %) من الناتج المحلي الإجمالي". وأضافت: "نجحت البرامج الحكومية في تقليص الاعتماد على النفط ليصل إلى نسبة (50 %) تقريباً، مع مشاركة الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة في الإنفاق الرأسمالي والاستثماري لأول مرة، وتعديل برنامج التوازن المالي لتكون سنة التوازن 2023، مع المحافظة على مستوى الدين للناتج المحلي الإجمالي ليبقى أقل من (30 %)، وبمستوى عجز ينخفض تدريجياً". وأشارت إلى أنها "ركزت على الصرف على القطاعات التنموية المختلفة في جميع مناطق المملكة بمعدلات مرتفعة كقطاع التعليم بـ 200 مليار والقطاع العسكري بـ 191 ملياراً وقطاع الرعاية الصحية والتنمية الاجتماعية بـ 120 ملياراً وقطاع الأمن والمناطق الإدارية بـ 97 مليار ريال، مخصصات للإسكان، وإنفاق كبير من الصناديق الحكومية، وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والمواطنات، كما ترفع مستوى الأداء وتطوير الخدمات الحكومية، وتعزيز كفاءة الإنفاق والشفافية، وتعمل على الاستمرار في محاربة الفساد والحفاظ على المال العام والتنمية الشاملة والمتوازنة في كافة مناطق المملكة، مما ينعكس إيجاباً على الروح المعنوية للمجتمع بشكل كلي". وقالت: "المملكة رصدت إنفاقاً يبلغ حجمه نحو 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار)، هذا بالإضافة إلى 83 مليار ريال (22.1 مليار دولار) سيتم استثمارها وضخها عبر صندوق الاستثمارات العامة، و50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) سيتم ضخها من قبل الصناديق الوطنية في قطاعات مختلفة مثل الإسكان، والصناعة، والتعدين". وأوضحت المستشارة الاقتصادية أن الميزانية السعودية للعام المالي 2018 تحمل أرقاماً إيجابية للغاية، حيث تكشف الأرقام المعلنة عن تراجع مرتقب في العجز العام للدولة، على الرغم من تدني أسعار النفط، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الإيرادات غير النفطية لتبلغ 291 مليار ريال (77.6 مليار دولار)، لتشكل بذلك ما نسبته 37.1 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة المتوقعة خلال عام 2018، ووفقاً لميزانية 2018، فإن الإيرادات غير النفطية المقدرة من المتوقع أن تقفز بنسبة 13.6 في المائة، مقارنة بالإيرادات غير النفطية المتحققة في عام 2017 التي بلغت 256 مليار ريال (68.2 مليار دولار)، في حين أن إجمالي الإيرادات المتوقع تحقيقها خلال عام 2018 من المتوقع أن تنمو بنسبة 12.6 في المائة، وهذا يعني أن نمو الإيرادات غير النفطية سيكون أفضل حالاً من نمو الإيرادات النفطية، والتي تم تقديرها بنحو 492 مليار ريال (131.2 مليار دولار)، بنسبة نمو قدرها 11.8 في المائة عن الإيرادات النفطية المحققة في 2017. وحسب البيانات، يتوقع أن يبلغ العجز في ميزانية عام 2017 نحو 8.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبتراجع كبير عن عجز الميزانية في عام 2016 الذي بلغ نحو 12.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوقع أن ترتفع الإيرادات بنسبة 34 في المائة لتبلغ 696 مليار ريال (185.6 مليار دولار)، نتيجة لزيادة الإيرادات النفطية وغير النفطية، في الوقت الذي شهدت فيه النفقات العامة ارتفاعاً بنسبة 11.6 في المائة لتصل إلى 926 مليار ريال (246.9 مليار دولار)، حيث تم صرف جميع المستحقات المتأخرة لدى الجهات الحكومية للقطاع الخاص. وأردفت: "نفذت الحكومة خلال الفترة الماضية عدداً من الإصلاحات التي تستهدف تنمية الإيرادات ورفع كفاءة النفقات لخفض عجز الميزانية والتحكم في نمو الدين العام، ولتحسين الأداء، أطلقت وزارة المالية السعودية مجموعة من الخدمات والمنصات الإلكترونية للإسراع في سداد المستحقات مثل الاستعلام عن أوامر الدفع، ومنصة "اعتماد"، وخدمة رفع المطالبات المالية وغيرها لضمان تنفيذ سداد المستحقات خلال ستين يوماً للمطالبات المستوفية للإجراءات والتأكد من عدم وجود مطالبات مستحقة للقطاع الخاص لم يتم التعامل معها وسدادها دون تأخير، وتهيئة القطاعات المستهدفة بالتخصيص، وبالتالي فإن الاستمرار في الصرف على هذه القطاعات سيجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الراغبين في الدخول للمنافسة عليها، ومضاعفة إنفاق الحكومة الاستثماري هذا العام تعتبر حافزاً للقطاع الخاص، وتعزز الرغبة في الدخول بالمنافسة على المشاريع والقطاعات المطروحة للتخصيص خصوصاً مع إصدار عدد من التشريعات والأنظمة ذات العلاقة، بالإضافة إلى تكريس جوانب الشفافية في الميزانية العامة للدولة، سواء من خلال الإعلانات الربعية أو من خلال الإعلان الرسمي الشفاف، والتوضيحات التفصيلية من الوزراء المعنيين". ووضحت الدكتورة نوف، أن نسبة كبيرة من مجمل الإنفاق الرأسمالي المقدر في عام 2018 البالغ 338 مليار ريال (90.1 مليار دولار)، ستتم عبر صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني بمقدار 133 مليار ريال (35.4 مليار دولار)، وسيكون الإنفاق الرأسمالي من الميزانية نحو 205 مليارات ريال (54.6 مليار دولار)، ليتشكل بذلك قفزة كبيرة في الإنفاق الرأسمالي، ويؤدي إنفاق صندوق الاستثمارات العامة لعام 2018 إلى مزيد من التنمية الاقتصادية وخلق مزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين، يساعد القطاع الخاص على فتح مجالات جديدة للاستثمار. وختمت حديثها قائلة "إن أول إيداع للمستحقين من برنامج حساب المواطن، في دورته الأولى، سيكون في الـ21 من ديسمبر2017، وسيكون مصاحباً معها، الإعلان عن المبالغ وتفاصيلها، بشكل واضح، وستتم جدولة صرف مبالغ الدعم للمستحقين، في اليوم العاشر من كل شهر ميلادي، ابتداءً من دورة الدفع الثانية، في شهر يناير 2018، وبخصوص العلاوات السنوية، فإن هناك مبادرات بشأن الموظفين الحكوميين مازالت تحت الدراسة، وسيتم الإعلان عنها في وقتها، كما أن هناك قرابة 450 مليار ريال تم تخصيصها لرواتب ومزايا مالية للموظف الحكومي وذلك حسب تصريحات وزير المالية". وتأتي تلك التطورات في الوقت الذي تمر فيه المملكة بمرحلة تحوّل مهمة في تاريخها على الصعُد كافة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتوجيه وإشراف مباشر من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمين.
مشاركة :