«حرّ».. غيمة جمال تحلّق في عالم التسامي

  • 12/24/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دبي: «الخليج» تأتي قصيدة «حر» لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بوجهها الرومانسي الحالم كغيمة تحلق في عوالم سحرية، تحتشد بالجمال والألوان؛ إذ تعبر عن مشاعر صادقة، كدفقة شعورية، نابضة بالحب في فضاءٍ مفتوحٍ على الجمال، والقارئ للقصيدة لا يفوته ذلك الإمساك بناصية اللغة، والمقدرة على تطويعها، لتحلق الأبيات في سماوات من الإبداع والفصاحة اللغوية والشعرية، ثم ينفتح على آخره عند المتلقي، تفاعلاً مع حبات الرذاذ العطري الأنيق، لشاعر يتجول الجمال في نصوصه المبدعة.والقصيدة هي كلمات من عصب الشعور، تمنحها موسيقاها أبعاداً ساحرة مفعمة بالخيال البديع، والمعاني تنطرح كثمر دانية قطوفه، فلا تقطف حينها إلا طيب الكلم، في ضرب من السهل الممتنع، يحتشد بأشكال وألوان من التعبير والإبداع اللغوي، فيه من جمال الوصف ما يجعل المتلقي يسبح في بحور من المحبة في القصيدة التي يقول سموّه في مستهلها: زاد الجفا حتى وصل لين الأحلام                                           وما عدت اشوفك زايرً في مناميواحترت ف أمرك هاجرني من العام                                           لين أختفى أسمك ما بين الأسامي والقارئ للكلمات الزاخرة بالجمال في الأبيات السابقة الاستهلالية، لا بدّ أن يلمح تلك الرقة التي تلامس شغاف القلب؛ إذ يصف الشاعر حاله مع الفراق والجفاء، لحد غاب فيه حتى طيف المحبوب، فما عاد يزوره في منامه، حيث أمسك عن وعد اللقاء، وها هو يسرف في الجفاء، فيمنع حتى خيال طيفه من الزيارة، وهو وضع يجلب الحيرة، أن يبلغ الهجر هذا المدى، فتغيب ظلال اللقيا ويتوارى حتى اسمه، كما غاب رسمه.هذه دفقة جمالية متناهية في الإبداع، نحن هنا أمام مشهد حي بفضل دقة الوصف عما يجيش من المشاعر، نحن أمام لوحة حاك تفاصيلها رسام ماهر لا تنقصه الإمكانيات اللغوية والتعبيرية في تصوير مشاعره النابضة، أمام بديع من الكلمات يختبئ في الحسن، ويعلن عن نفسه الشعور. كني أطارد ظل غيمه فلا دام                                           غيمه يزاغيها يمانيي وشاميأو كنك إنته طيف ساكن في الاوهام                                           في قلب شاعر به جنون الهيامي ويستمر الدفق الجمالي السامي في ما سبق من أبيات، ليأتي سموّه بمزيد من الكلمات المبدعة في الوصف، الدقيقة في المعاني، وكأنها قد اختيرت من قاموس خفي، لا يتوافر إلا في لحظة صدق عالية، فانظر كيف جاء وصف الحال هنا، حيث يبرز تشبيه غاية في الروعة، يحول سموّه هذا البحث المضني والمرهق إلى حالة جمالية، في قوله «كني أطارد ظل غيمة»، فهي حالة لا يمكن الإمساك بها؛ لصعوبة أن يمسك المرء بالغيم، وما يزيد من صعوبة هذه المهمة، أن تلك الغيمة «يزاغيها» أي يحركها أو يلاعبها أو يقلبها، «يمانيي وشامي» أي الرياح، والإبداع هنا يكمن في استخدام هذه الكلمة «يزاغيها» التي أتت في محلها تماماً، واختارت مكانها في بيت القصيدة بتلقائية شديدة، فلئن كان بعض الشعراء يقحمون بعض الكلمات الجميلة إقحاماً في متن النص لفرادتها، فإننا نجد هذه الكلمة جاءت بتلقائية وسهولة، وهذا يدل على اتساع قاموس سموّه، فلا يجد صعوبة في تخير الكلمات ووضعها في مكانها الصحيح. خذني معاك وخلني عنك جدام                                           ستر وغطا يحميك والوقت حاميوارجع لمن يغليك يا وحش الآرام                                           مادام لك فرصه ع جذب اهتمامي تُظهر الأبيات السابقة أخلاق الشاعر الرفيعة في كونه ستراً للمحبوب، وغطاءً له وحامياً، يناجيه بالعودة لمن لن يجد مثله في محبته له، خاصة أنه مهتم لأمره، ولعل من الواضح أن القصيدة عند سموّه تشتبك فيها عوالم مختلفة، فتأتي كلوحة تشكيلية، يجد فيها القارئ ما يمكن أن يؤوله، وهنالك أيضاً ما يمسك النص عن ذكره. لأني إذا صديت في دور الايام                                           حرً وخرط منك سبوقه وحاميما ترده الصيحه مدبر ولا رام                                           حدً يرده واختفى في الغمامي ولعل ذات الجمال الذي جاء في مستهل الأبيات، يتسرب إلى خواتيمها التي تظهر وتبرز الهمة والسموّ بالنفس من الوقوع في شراك المحبوب، فإذا اضطر إلى أن يصد في تقلب الأيام ودورتها، فهو لن يلتفت إلى الوراء، كطائر شديد السرعة، لا يقدر عليه أحد إلى أن يختفي بين طيات الغمام، وهنا نلمح مقدرة كبيرة وعالية في التعبير عن الذات، بكلمات تزيدها الرصانة دقة، فتجعل معانيها منفتحة، فالكلمات في خواتيم القصيدة وأبياتها الأخيرة جاءت تحمل الحسم، بتعبيرات غاية في الإبداع، واللغة هنا تبدو يسيرة على الشاعر يتخير منها ما شاء من الألفاظ والمعاني، كما أن القصيدة في مجملها اهتمت كثيراً بأن يأتي القول مرسلاً، متمثلاً حالة الوجد ومعبراً عنها، ليأتي كل مقام يحمل مقاله في متن القصيدة التي تحمل خيالات بديعة، وتحلق في سماوات من الجمال، فينهل منها الناس بديع الكلام، ولطيف المعنى، فسموّه يبذل هنا قولاً في دلالات القصيدة محملاً بالجمال والقيم العظيمة. تصوير شعري نبيل مرة أخرى يبدع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في توصيف شعري لمعانٍ إنسانية درج عليها الكل وهي التأثر بغياب المحبوب، لكنه إذ يفعل ذلك يأتي بتعبيرات ومقاربات بلاغية مدهشة حقاً، وتدل على شاعرية كبيرة لا تتوفر إلا لكبار الشعراء وأبلغ البلغاء.الحب دوماً هو الحب، وفراق المحبوب ونأيه هو أمر ثقيل على النفس يجلب اللوعة ويسيل الحبر مداداً في وصفها، لكنه غالباً بات يتم بصور وكلمات مكررة بين آلاف البشر، فلا تكاد تقرأه حتى تتخطاه دون أن تحس بوقعه على النفس، أما قصيدة سموه المعنونة ب«حر» فاللغة فيها تتبدى كلوحات فنية غاية في الإبداع، لدرجة أنك تعيش مع القصيدة من أول جملة فيها وهي «زاد الجفا»، ثم إذا بك وسط بيت شعري تعبيري مختلف يدهشك ويدفعك للاستغراق شيئاً فشيئاً أمام التصوير الشعري البديع، ويبدأ سموه هذه الحالة الشعرية المتميزة بقوله: زاد الجفا حتى وصل لين الأحلام                                           وما عدت اشوفك زاير في منامي هل يبلغ الجفاء كل هذا الحد؟..، وما هذه اللوعة التي تم التعبير عنها بقمة ما يمكن أن تصل إليه الصورة، حين استحالت رؤية المحبوب حتى في المنام، حتى الأحلام باتت ضنينة بأن تجمع المحبين، ثم يستمر التدفق الشعري الإبداعي من سموه ليؤكد المعنى في البيت الأول ويبني عليه شعرياً فيقول: واحترت ف أمرك هاجرني من العام                                           لين أختفى أسمك ما بين الأسامي وكأن سموه يردف العبارة بالعبارة فتصنع معنى بديعاً يتمثل في الآتي: نأى الحبيب وهجر من عام كامل حتى بات اسمه نفسه هاجراً لا يظهر حتى في توارد الأفكار الحرة حول الأسماء التي تجول في الذهن، قمة في البلاغة والتصوير يعززها سموه قائلاً: كني أطارد ظل غيمه فلا دام                                           غيمه يزاغيها يمانيي وشاميأو كنك إنته طيف ساكن في الاوهام                                           في قلب شاعر به جنون الهيامي التعبير هنا يصل لذروته ويفسر ما سبقه بمعان جديدة، تتوالد الكلمات الشعرية من سابقاتها، وكأنها حالة مختلفة كليا، فيظهر المحبوب في التصوير الشعري لسموه وكأنه غيمة لا يراها إلا لتزيغ عن بصره، أو كطيف متوهم ساكن مع ذلك في الذهن، ثم يردف سموه قائلاً ومنبهاً ذاك المحبوب لخطورة صده ونأيه، ويدعوه لانتهاز الفرصة وعدم تضييعها، وما قد يترتب عن ذلك من رد فعل لا يمكن التحكم فيه: خذني معاك وخلني عنك جدام                                           ستر وغطا يحميك والوقت حاميوارجع لمن يغليك يا وحش الآرام                                           مادام لك فرصة ع جذب إهتمامي ثم يؤكد سموه أن الفرصة غالية وأنه إذا عامل المحبوب بالمثل وصد عنه لن ترده صيحة منادية أو متألمة فيقول: لأني إذا صديت في دور الايام                                           حر وخرط منك سبوقه وحاميما ترده الصيحه مدبر ولا رام                                           حد يرده واختفى في الغمامي هي في المجمل أبيات صاغ منها سموه معاني عديدة ليست دارجة ولا مألوفة الاستخدام، وعبر بها عن حالة عادية وكثيرة الحدوث، وهنا بالضبط تكمن أهمية قصائد سموه، التي لا تأتي أبدا لكي تكون مجرد أسطر تلحق بديوان شعر العرب وتأخذ مكانها فيه، بل تجيء لتشكل إبداعاً جديراً بالتأمل والقراءة في كل مرة، زاخراً بقاموس رفيع اللغة أنيقها، محيلاً لمعان وتعبيرات إنسانية غاية في الرقي والنبل. المحرر الثقافي

مشاركة :