فتحت أزمة حظر سفر التونسيات على طائرات «طيران الإمارات»، باباً مغلقاً على توتّر كبير سُجل على مدار السنوات الماضية في العلاقات التونسية الإماراتية، خاصة بعد وصول حركة النهضة -امتداد الإخوان المسلمين في تونس- إلى الحكم بعد انتخابات 2014. وتستعرض «العرب» في هذا التقرير المفصل، خفايا محاولات أبوظبي تخريب التجربة الديمقراطية الناجحة في تونس خلال 7 سنوات هي عمر ثورة الياسمين. وبعد الثورة في 2011 حتى انتخابات أكتوبر 2014، سادت حالة من الفتور الدبلوماسي بين البلدين وغياب التعاون، وتخللتها مناوشات في الفترة الانتقالية للرئيس المنصف المرزوقي الذي كان يُظهر خوفه من دور أبوظبي في دعم الثورات المضادة بالمنطقة العربية.رغم دعم أبوظبي للحزب الحاكم حالياً «نداء تونس» ومرشحه الباجي قائد السبسي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بسيارتين مصفحتين، إلا أن العلاقات ظلت شبه باردة لفشل محاولات الإمارات في إقصاء حركة النهضة من تشكيل الحكومة، ويفسر ذلك توقف الدعم الإماراتي عن حزب «نداء تونس» وإلغاء زيارات كانت مقررة للسبسي إلى أبوظبي. وسبق أن استخدمت أبوظبي أساليب مشابهة لحظر سفر التونسيات عبر طائراتها؛ إذ قررت وقف منح تأشيرات دخول الإمارات للمواطنين التونسيين بحجة أسباب أمنية. وبمقتضى ذلك، منعت دبي التونسيين من الحصول على تأشيرة الدخول إليها لمباشرة أعمالهم أو مشاريعهم التي يشرفون عليها، وهو ما نتج عنه استياء التونسيين المقيمين بالإمارات العربية المتحدة، باعتبار أن ذلك فيه تعطيل لمصالحهم. المنع لم يشمل فقط المقيمين أو أصحاب المشاريع هناك، بل شمل أيضاً مهندسين وأطباء مرتبطين بمباشرة تظاهرات عالمية وحاصلين على دعوة لتأسيس التظاهرة، ووصل المنع حتى لعدم منح التونسيين المولودين بدولة الإمارات الجنسية والتعبير عن عدم رغبتهم بتسجيلهم، وذلك من خلال التلكؤ بفترات تتجاوز الثلاثة أشهر أو أكثر. وفي تقرير سابق لصحيفة «جون أفريك» الفرنسية، أرجعت سبب التوتر في العلاقات بين البلدين إلى ملف قضية تولاها قاضٍ مقرب من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي كان يترأسه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، وتتعلق القضية باختلاس في القطاع العقاري، وقام القاضي المذكور بتوجيه دعوة إلى حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلا أن بعض المصادر الأخرى أكدت أن حقيقة ما آلت إليه الأزمة بين البلدين مردها بالدرجة الأولى إلى رفض الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بتنفيذ قرار محاربة الإسلاميين الصادر من الإمارات. وفي 18 مايو 2015، كشف الإعلامي التونسي سفيان بن فرحات أثناء مداخلته على قناة نسمة التونسية، أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أعلمه في لقاء خاص أن دولة الإمارات طلبت منه إعادة سيناريو مصر وإزاحة حركة النهضة التونسية للإيفاء بتعهداتها المالية لتونس، إلا أن الأخير رفض ذلك وفضّل سياسة الحوار والتوافق لتفادي الحرب الأهلية بالبلاد وإراقة الدماء. خلية «دحلانية» ومن أجل إقصاء الإسلاميين، تقول صحيفة «لوموند» الفرنسية في تحقيق موسع في شهر سبتمبر الماضي: إن محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي يعمل على التقرب من أنصار نظام بن علي وبعض اليسار المعادي بشدة لإسلاميي حزب النهضة، يبرز من بينهم خاصة رفيق الشلي المسؤول الأمني السابق في زمن بن علي، ومحسن مرزوق أحد مؤسسي حزب الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي «نداء تونس». وتتابع «لوموند»: الهدف هو الضغط على حزب السبسي لفك تحالفه مع حكومة النهضة. وتنقل «لوموند» عن محلل سياسي تونسي قوله بأن «محمد دحلان (مستشار ولي عهد أبوظبي) سعى لإقناع تونس بإغلاق الحدود مع ليبيا من أجل خلق نقص في الغذاء في طرابلس ونشر الفوضى، وبالتالي تسهيل تقدم قوات حفتر». التخطيط لاغتيالات قبل تحقيق «لوموند» وتحديداً في 5 ديسمبر 2014، قال الإعلامي التونسي صالح عطية في برنامج «بالمرصاد» الذي يذاع على قناة الزيتونة، إنه حصل على معلومات تؤكد وجود خلية أزمة بدولة الإمارات يديرها محمد دحلان، ومن بين عملائها في تونس القيادي بحركة «نداء تونس» محسن مرزوق. وأكد عطية أن هذه الخلية كلّفت مرزوق باغتيال شخصيات سياسية مرموقة في تونس والقيام بانقلاب إذا فاز المنصف المرزوقي في الدور الثاني، وقد طالب عطية وقتها من الأمين العام المستقيل من حزب «نداء تونس» محسن مرزوق أن يتدخل في الحصة مباشرة لنفي أو إثبات هذه المعلومات، لكنه لم يتدخل. موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، نشر هو الآخر تقريرين متتالين في أواخر العام 2015، اتهم فيهما الإمارات بالوقوف خلف عدم الاستقرار في تونس لرفض الرئيس التونسي قائد السبسي تكرار نموذج السيسي في مصر بالسعي لسحق الإخوان. وقال الموقع في تقريره الثاني في شهر ديسمبر الماضي: إن أبوظبي تسعى لإنهاء الانتقال الديمقراطي في تونس وإعادة البلاد إلى الحكم الاستبدادي، وفقاً لتفاصيل اجتماع بين كبار المسؤولين العسكريين من دول الخليج والجزائر. وتابع الموقع قائلاً: أحدث الفضائح، من مصدر تونسي رفيع المستوى، تأتي بعد أن أعلنا أن أبوظبي قد هددت بزعزعة استقرار تونس؛ لأن الرئيس الباجي قائد السبسي رفض عرضاً من أبوظبي لقمع الحركة الإسلامية التونسية النهضة. وأكد الموقع أن قائد الجيش الجزائري عارض الخطة الإماراتية قائلاً: «تونس خط أحمر، وسوف نعتبر زعزعة الاستقرار تهديداً للأمن الوطني الجزائري». وأشار الموقع إلى أن المسؤولين الجزائريين مرروا خطة أبوظبي للنظام التونسي. أزمة المرزوقي ومرسي ولم تخلُ العلاقات بين البلدين من الأزمات العلانية، ففي 27 سبتمبر 2013، استدعت وزارة الخارجية الإماراتية سفيرها لدى تونس سالم القطام الزعابي، إلى العاصمة أبوظبي، في أعقاب هجوم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي على مصر، ومطالبته بإطلاق سراح الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. وبحسب تصريح بثّته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية وقتها، فإن مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية طارق الهيدان علّل ذلك القرار بأن «وزارة الخارجية بدولة الإمارات استدعت سالم القطام الزعابي سفير الدولة في تونس إلى أبوظبي للتشاور حول المستجدات في العلاقات بين البلدين»، دون أن يُحدد الأسباب الكامنة وراء هذه الخطوة أو طبيعة هذه المستجدات. ورأى مراقبون وقتها أن أبوظبي نصبّت نفسها محامياً عن النظام العسكري القائم بمصر عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، خاصة أنها الممول الكبير له. وعقب خروج المنصف المرزوقي من رئاسة تونس، وصف في لقاء مع صحيفة «العربي الجديد» اللندية، دولة الإمارات بأنها «عدو للثورات العربية وتمول الانقلابات». استضافة «بن علي» في 13 أكتوبر 2017، تناقلت وسائل إعلام تونسية صوراً تُظهر الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وقرينته ليلى الطرابلسي، في حفل خطوبة ابنتهما الذي انعقد في دبي، الأمر الذي أثار غضب التونسيين من الاستضافة السرية للرئيس التونسي الهارب في الإمارات وتساؤلهم عن أسباب ذلك. وظهر بن علي في الحفل العائلي المصغر وقد بدت عليه ملامح التقدم في السن، فيما ظهرت زوجته مرتدية الحجاب، وبينهما ظهر صهرهما الجديد، الذي تناقلت المواقع التونسية عنه أنه ابن أحد المسؤولين في عهد نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وينتمي إلى إحدى العائلات الثرية في طرابلس. هذا السجل الطويل من التدخلات الإماراتية في الشأن التونسي، طفا على السطح بعد حظر طيران الإمارات سفر التونسيات على رحلاته مساء يوم الجمعة 22 ديسمبر الماضي، الأمر الذي دفع السلطات التونسية لتعليق رحلات تلك الشركة إلى مطاراتها. أبوظبي ضغطت على تونس لحصار قطر وحرّكت الأزمة الخليجية المياه الراكدة بين البلدين؛ حيث ذكرت تقارير إعلامية أن الإمارات والسعودية ضغطتا على تونس لكي تقطع علاقاتها مع قطر، مقدمين وعوداً كبيرة إذا ما قررت الاصطفاف معهم في أزمتهما مع قطر. لكن وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي قال عن الأزمة الخليجية: «لا نريد مزيداً من التفرقة، ونتمنّى تجاوز الخلافات في الخليج، وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف للحفاظ على مناعة دول الخليج التي لها دور مهم على الساحة العربية ومناعة الدول العربية»، معبّراً عن آماله في تجاوز الأزمة. وكشفت مصادر مطّلعة عن حصول شخصيات وكتاب ووسائل إعلام تونسية على إغراءات مالية كبيرة من أجل تحريك الشارع التونسي ضد قطر، ومحاولة الضغط على حكومة السبسي للاصطفاف إلى جانبها. من ضمن الإغراءات: ضخ «طيران الإمارات» لأول مرة حملة إعلانية في القنوات التونسية التي كانت تخلو منها قبل بداية الأزمة الخليجية، في محاولة من أبوظبي لممارسة ضغوط على تلك القنوات لمهاجمة دولة قطر وتشويه صورتها.;
مشاركة :