التنازل عن الذات - مها محمد الشريف

  • 10/2/2014
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

ينبغي الإشارة إلى صيغة مجتمعنا وتعلقه بالجماعة، وجوانب القومية التي يتمتع بها في طباعها ولسانها، ومن ثم تجد الفرد يتنازل عن أبسط حقوقه فلم يعد يتكلم عن ذاته منفردا إلا ويتبعها بنحن وكأنه يخفي عن الأنظار أبعاده الشخصية وأعرافه الفكرية و قوانينه, ويزيح هذا النسق إلى التبديل وليس التعديل ليؤكد الخروج الكامل عن قيمة الفرد, و يجعل الأداء البسيط معقد اً, و هذا في ذاته إشكاليه كبيرة . وقد كانت لهذه الإشكالية معطيات عملية متعددة فيما بينها, ترتبط بالسلم العائلي المتصل بالقبيلة, فالفرد في مجتمعنا يعتمد اعتمادا كليا على اسم القبيلة أو العائلة, ويظل اسمه علماً لا موقع له أو وجود, على عكس المجتمعات الأخرى العربية والغربية, تكتفي المعرفة باسم الشخص ووالده, وعلى سبيل المثال جمهورية مصر العربية أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا والعالم العربي وتجد الأسماء تتكون من الشخص ووالده فقط في التعاملات الاجتماعية وتقديم الفرد للآخر, عدا التعاملات الرسمية . فإذا أردنا أن نسير في مسار منتظم علينا أن نجيد معنى الوفرة التي تنقذ الذات من هيمنة استهلاك الفرد من أجل بعض المفاهيم الشكلية, فالمسؤولية المترتبة على الجماعة منح الفرد حريته و توازنه, فالإنسان بطبعه أناني يفضل رغباته ومصالح حياته على الآخرين, ولكن في مجمل هذه النتائج غير المنتهية تظل بين إشكال وسجال. حيث تتيح هذه التمثلات والتصورات قلب العلاقة بين الفرد والجماعة, وتؤدي إلى تفاضل يحتاج في قوامه إلى تعديل يوقف الفرد على أفعاله الشخصية وليس على التكامل القبلي, إذ إن الإنسان محتاج في شؤون حياته إلى ثراء ذاتي لا يفتقر إلى القناعات حسب أغراض الوعي. فعلى الرغم من التباين القائم بين هذا الانتماء واستقلالية الفرد, داخل النسيج الاجتماعي نجد أن هذا الارتباط أصبح فكراً يسبق الماهية, وأن الإنسان يصنع نفسه من خلال أسرته وقبيلته و ليس بنفسه, وهذا يملأ وجوده على نحو لا يلائمه, أو يصنع مواقفه ونظرياته على مستوى واع, فالجماعة ترسم حدوداً جبرية صارمة لا توافق حالات الفرد . يقول ميخائيل نعيمة: يبدو إنني بدأت أفكر وقبل اليوم لم أكن أفكر, قبل اليوم كنت أسعى لأن الناس من حولي يسعون وأحب وأكره لأنهم يحبون ويكرهون, تعلمت لأنهم يتعلّمون وعلمت لأن التعليم مهنه من المهن الكثيرة التي بها يرتزقون, وتزوجت وبنيت بيتاً لأنهم يتزوجون ويبنون البيوت, كنت وإياهم زوارق متفاوتة الشكل واللون والحجم تتقاذفها أمواج نهر هائل لا تعرف له بداية أو نهاية, وهذه الزوارق كان بعضها يترافق هنا, و يتفارق هناك, ويتصادم هنالك, ثم يغمره الموج وليس من يدري إلى أين يمضي . فالقوالب والألوان هنا حررت الفرد من سلطة القبيلة والانتمائية لها, وكثير من النتائج أكدت أن الإنسان ليس نتاجاً لإرثه البيولوجي بل لواقعه الثقافي الطبيعي , فرغم الظروف والصعاب لعبت الاستقلالية الذاتية دوراً مهماً في استفاقة الإنسان من التبعية الوهمية .

مشاركة :