على الرغم من الجهود التي يبذلها أغلبية الكتّاب في ملاحقة ومتابعة الأخبار السياسية والاقتصادية وأخبار الإرهاب والدمار وعواقبه على الدول والشعوب لذا يتوجب عليهم ملء هذه الفراغات بالمعارف حتى يجدوا ما يساعدهم على الاضطلاع بمهامهم وتحفيز العقول لصناعة فرق مؤثر في حياة الناس لكي تبلغ مبتغاها من الحقيقة، وتكون لها القدرة على مواجهة الحروب والفتن والثورات إذ إن لكل تاريخ أخطاء وغواية. وبمناقشة هذا الجانب يظهر لنا أن المتغيرات التي وقعت في الماضي هي صورة طبق الأصل للمتغيرات التي تحدث في الحاضر فالتجديد سنة الحياة وله قيمة فعالة وأولوية على مستوى المجتمعات، أما ما حدث قديماً في المدارس الفلسفية المختلفة فظهرت جماعة من الناس أطلقوا عليها اسم " السفسطائيين "أظهرتها ظروف سياسية واجتماعية، اهتمت هذه الفئة بحياة الواقع والناس عكس رؤى الفلاسفة في ذلك العهد في القرن الخامس قبل الميلاد. وفيما كان الفكر الفلسفي قبل ظهور السفسطائيين متجهاً نحو العالم الخارجي ومستغرقا فيه، انتهجوا منهجا تأمليا لضعف سلطة الدين وسيطرة النزعة الفردية ونظام دولة المدينة بمعنى حرية الحركة المؤدية إلى حرية الفكر، التي كانت تجادل باستعلاء مشكلات الفهم والحقيقة عند الانسان وأسرفت بالمقارنة بينه وبين الحيوان، وأوجدت الشرط الضروري للنمو العقلي والمادي والغرائز، ا جعل الناس يفطنون للفوائد التي أتى بها السفسطائيون في منهجهم الواقعي التجريبي للانسان وحضارته، فقد كانوا من الاوائل الذين اهتموا بالنحووالبلاغة وفصلوا اللغة عن الفكر واستطاعوا بذلك مغالطة الذين أخضعوا اللغة للمنطق، فكانوا على النقيض من منهج الفلاسفة السابقين. ففي ذلك العهد كانت الزعامة لناس أميين لا تجيد الخطابة ولا تتلمس احتياجات البسطاء، وزادت القضايا أمام المحاكم آنذاك والجدل القانوني والسياسي، فأنشأت هذه الجماعة التي أطلق عليها مسمى السفسطائيين مدارس لتعليم الخطابة وأساليب الجدل واستمالة الجماهير ومعارف متعددة تتعلق بمشكلات الحياة فقد كان لظهوهم نواح إيجابية في عصر كثرت فيه الصراعات والمتغيرات والتمسك بتقاليد الماضي والتشديد على مذاهبهم وعقائدهم. ولكن مع هذا الظهور الناجح سرعان ما التصق بهم من سوء حول ما اشاعوه عن سقراط، ارسطو، افلاطون على أنهم بائعو الحكمة والعقائد بمقابل مادي، ولم يتوقف الجدل بين الفلاسفة وبين هذه الجماعة التي طبقت العلوم بمنطق أقرب لفهم المجتمع ونظرياته لاسيما في استعمال اللغة في الجدل والتحاور والأخلاق والسياسة، كما جاء في كتاب (الحضارة الإغريقية). فهل يكون التصنيف عادلاً إذا قلنا ان المجتمعات اليوم صنفان بين فلاسفة وسفسطائيين بعدما اكتملت جوانب الفلسفة في زمن تجاوز الأسطورة والزمن المقدس؟ عطفاً على كثرة المنظّرين والمجادلين بحجج أقرب إلى الإثارة إثارة الرأي العام – تمزج الجد بالهزل في مواضيع مهمة وحيوية، ففي الوقت الراهن غالبا ما نجد خطابا لا يخلو من الفردية والسطحية وزعم المعرفة المطلقة، كمن يخطب في مجموعة من الناس تتفاوت ثقافاتهم التعليمية ويسود معظمها الثقافة المتواضعة ثم يردد على مسامعهم عبارات أو كلمات أكبر من الحاجة الحقيقية لها، ويصعب توظيفها للفهم العام بمن فيهم الفلاح البسيط والشيخ الأمي والطالب والعامل. بينما القسم الآخر يعمل على معالجة هذا التمظهر بوعي واضح وشفاف يدفع إلى شعور إيجابي يؤثر في الوعي، وكأنما يجعل الفرد يتسلق شجرة الأماني ليشاهد الصور المختلفة عن مستقبله ومتطلباته، ليتسنى له قبول تيارات الفكر الحديث وقراءة الحاضر بروح مستقرة تتقبل تطور التقنيات مهما رافقها من عدم تكييف، أو نقص في تفسير الظواهر وانعكاساتها على مصير الانسان وعصره.
مشاركة :