كان المثقف زمان الصبا وأقدم مثقفاً “بحق وحقيقة ” له مكانته وهيبته وحضوره وإنتاجه، لا يهتم إلا بكتابة أفكاره ولا يحب الظهور والأضواء والإطراء .. لكن مع سقوط الهيبات . كسقوط هيبة المعلم القدوة . وسقوط حاضرات المدن العربية في الفوضى ، سقط المعنى السامي والنبيل للمثقف ! مثقف ” الهياط 20 17 ” سواءً كان مثقفاً كبيراً أو “نص ونص ” أو مع “الخيل يا شقراء” فلم يعد يهتم إلا بسطوع الصورة ومقاسها ووضوحها ودمجها، مثقف الصورة و”الترزز”يسقط أيضاً ! في عهد الأضواء والتقنيات والبرامج ومواقع التواصل الاجتماعي سقطت هيبة المثقف ومكانته بعد أن جرفه التيار البشع . تيار التمظهر ولوثة الأضواء والإطراء ، في ظل موت الأشياء الجميلة في كل شيء ، وموت المثقف القدوة، في عصر نحتاج فيه إلى الفكر والعقل وليس العواطف والهيئات. تكمن عوامل تعري المثقف وانزلاقه إلى السطحيات والقشور وتحوله من صاحب قلم ورأي ومبدأ إلى مهرج أراجزي استعراضي، عندما بدأ الكثير من المثقفين وحتى المسئولين وعلى مستويات كبيرة في البلد يهتم بالمظهر والصورة والعرض والطول ونوع الهندام والركزة ، وأثخن في جانب التميلح والاستعراض الفارغ من المضمون على حساب إنتاجه وصناعته وقوة حضوره وتأثيره، والذي تكون نسبته في المئة صفراً من الناحية الثقافية ومستوى ما يطرحه من الفنون الأدبية أو رصيده الثقافي والمعرفي . ويسري الحال على كثير من المسئولين ،عندما يرص الكلمات الرائعة في تغريدة بينما في جهته تكمن الأخطاء والمشاكل والسلبيات الكبيرة والكثيرة ، تقرأ له فتقول : ما شاء الله تبارك الله ، وعلى قول المثل ” ياما هنا ياما هناك .. وياما جاب الغراب لأمُه ” يطلقون التغريدات المبهجة “عن حُكَم لقمان وفضائل أفلاطون وشاعرية قيس” التي تسر الناظرين في هذا في الواقع الافتراضي . لكنهم في الواقع الحقيقي تراهم سلبيون هامشيون يصنعون التعاسة ، فلا إبداع ولا تطوير ولا فكر بل أجساد البغال وأحلام العصافير. عندما يكون المثقف والمعلم والمسئول أدوات لنشر التافهات والسفاهات وثقافة الخواء والترهل المعرفي والتعامل السيئ ؛ فأسقطوا بذلك هيبة الثقافة والعلم والعمل وأصبحوا في عيون الآخرين مجرد صفات في غير موضوعها ، ولو قلبّت في سجلات هؤلاء المتزحلقون المغردون بالغداةِ والعشي وآخر الليل لأريت البؤس ، لقد ظلمنا كلمة تغريد ومعناها فالتغريد ؛ صوت جميل مبهج لكننا نسمع ونرى عكس ذلك عندما تحول التغريد إلى ما يشبه الخوار والنهيق والزعيق.! نعم ثقافة الصورة هي المسيطرة لها فوائدها وحضورها وقوة تأثيرها في الرأي العام ، وليس من فوائدها ــ مثلاً ـــ إلا أنها كشفت زيف هؤلاء المأزومون شكلاً لا عقلاً ! الذين أصبحوا يهتمون بالصورة بدلاً من حرصهم على إنتاجهم الثقافي والعلمي والمعرفي وإنجازهم للوطن والمجتمع ، ولعل من المآسي هو “السلفي” الاختراع العجيب الذي طغى على حياة الكثير منا على مستوى الشرائح وفي كل الأحوال قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم . يلتقطون من الكاميرا الأمامية صوراً تجعلهم في نظر التاريخ إما سذجا أو أغبياء أو مجانين ، والحال على المقاطع عندما تحولنا معها إلى أراجيز مهرجين سطحيين. المثقف والمعلم والمسؤل يجب أن يكونوا قدوات لأي مجتمع بتعاملهم بثقافتهم بإنتاجهم بوعيهم بفكرهم وليس بصورهم “إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” وأيضاً الناس شهود الله في أرضه يجب أن لا ينظروا إلى صور وجسد فلان وعلان ؛ بل ينظرون إلى عقله وقلبه وما يقدم من علم وعمل وتعامل وأفكار خلاقة.
مشاركة :