رفض «القيمة المضافة» يجعل الكويت أكبر منطقة تجارة حرة

  • 12/26/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع اقتراب موعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة VAT في السعودية والامارات مطلع يناير 2018، بدأت وزارة المالية بالتسويق لكل من ضريبة القيمة المضافة والانتقائية. هذه الدراسة تبين كيف أن الموافقة على الضريبة ستكون فوائدها لكل من السعودية والامارات أكبر بكثير منها للكويت. هذا إن لم تكن ضارة بالمنافسة والمستهلك والقطاع الخاص الكويتي. تعامل صندوق النقد مع دول مجلس التعاون ككيان واحد، وأوصى بتطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية وغيرهما كجزء من الإصلاحات الاقتصادية في ظل انخفاض أسعار النفط. لكن واقع الحال يقول إن الدول الست تختلف، وبشكل كبير أحياناً، في وضعها المالي وظروفها الاقتصادية والسياسية. وساهم الخلاف الخليجي الأخير في تعميق هذه الاختلافات. لو نظرنا إلى التفاصيل، فسنجد أن التصنيف الائتماني لدول الخليج، وفق وكالة ستاندرد آند بورز S&P مختلف. فالكويت وقطر والامارات (أبو ظبي) لها تصنيف سيادي عالي الجودة ومتماثل عند مستوى AA، ثم تأتي السعودية وعمان بتصنيف سيادي متوسط الجودة وهو A- وBBB- على التوالي. وأخيرا تأتي البحرين بتصنيف سيادي منخفض الجودة عند مستوى BB-. وما يؤكد هذا التصنيف ويعبر عن الدخل هو عدد براميل النفط المنتجة يوميا لكل مواطن، حيث نجده 9.43 في قطر و2.82 في الإمارات و2.19 في الكويت، بينما نجده ينخفض بشدة إلى 0.49 برميل لكل مواطن في السعودية و0.43 في عمان وأخيرا 0.32 في البحرين. أما على صعيد مدخرات الدول الست التي يمكن الاستدلال عليها بحصة كل مواطن من أموال الصندوق السيادي، فكانت 1.233 مليون دولار لكل مواطن في الامارات و1.067 مليون دولار في قطر و401 ألف دولار في الكويت، لتنخفض بشدة بعد ذلك إلى 35.5 ألف دولار في السعودية و16.7 ألف دولار في البحرين، وأخيرا 10.4 آلاف دولار لكل مواطن في عمان. فهل تصلح الضريبة الموحدة لكل الدول الست على الرغم من الاختلافات المالية والاقتصادية بينها؟ هل ستستفيد الكويت مثل الإمارات والسعودية؟ لأن السعودية والامارات هما من سيبدآن أولاً بتطبيق ضريبة القيمة المضافة مطلع يناير 2018، وتجنباً للإطالة، سنكتفي بمقارنة كيفية استفادتهما من هذه الضريبة، وماذا يقابل ذلك في الكويت. عند المقارنة مع السعودية، سنجد ان هناك خططاً طموحة جداً تتطلب إنفاقاً حكومياً هائلاً لا يتناسب مع قدرة الدولة المالية، كما يوضحها التصنيف الائتماني وغيره. لذلك يتوجب على السعودية تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال لتمويل خطط التنمية ورؤية 2030 المستقبلية التي من شأنها أن ترفع النمو الاقتصادي وتحل مشاكل الإسكان والبطالة وغيرها. ويمكن بيان جدية السعودية في التغيير من الإجراءات الاستثنائية وغير المسبوقة في محاربة الفساد وتحييد دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلخ. كما يمكن أيضا بيان حاجتها إلى الأموال من إعلان التوجه لبيع منشآت حكومية وطرح «أرامكو» للاكتتاب العام وخلافه. أما في الكويت فلا توجد خطة تنموية واضحة يمكن التفاؤل فيها، ولا حتى تغيرات أو إجراءات غير مسبوقة يمكن أن تغير نظرتنا إلى المستقبل. ولو وجدت الخطة التنموية المناسبة وبدأت الإجراءات الجادة في الإصلاح ومحاربة الفساد لن تكون هناك حاجة إلى الضريبة أو حتى إلى التقشف بسبب الملاءة المالية العالية للدولة. أما عند المقارنة مع الامارات ذات الملاءة المالية العالية جدا. فسنجد أن الامارات متقدمة عن الكويت في نظامها الاقتصادي وقطاعها الخاص وإلغاء الدعم عن الوافدين وتحصيل الأموال من السياحة والرسوم الحكومية، كما نجحت في التحول إلى مركز مالي وتجاري عالمي منذ سنوات مضت. وسنستعرض النقاط التالية للمزيد من التوضيح: 1 – وفق مؤشر سهولة الأعمال لسنة 2018 تحتل الامارات المرتبة الــ 21 عالمياً، بينما تفتخر حكومة الكويت بتقدمها من المركز 102 سنة 2017 إلى المركز 96 سنة 2018. 2 – وفق تقارير صندوق النقد لسنة 2014، يشكل النفط ما نسبته %34.3 من اجمالي الناتج المحلي في الامارات. بينما يشكل %62.9 في الكويت. أيضا كان نصيب الفرد من الناتج المحلي غير الحكومي وغير النفطي في الامارات 27.6 ألف دولار وفي الكويت 11.7 ألف دولار فقط. 3 – وفق دراسة سابقة لا ينفق الوافد في الكويت إلا 29 %من دخله وكان معدل التحويلات الخارجية لكل وافد في الكويت هو 6.325 آلاف دولار في السنة، بينما كان في الإمارات 2.382 ألف دولار فقط. ولو رجعنا للتركيبة السكانية هناك لوجدنا أن هناك أكثر من 7 وافدين لكل مواطن، بينما في الكويت العدد هو 2.24 فقط. وخلاصة كل ما سبق هو أن الامارات ستحصل على إيرادات ضريبية كبيرة من استهلاك الوافدين، بينما ستعتمد الكويت على الإيرادات في الغالب من استهلاك المواطنين. (نشر في القبس بتاريخ 18 أبريل 2017 بعنوان «الوافد لا ينفق في الكويت إلا 29% من دخله»). 4 – لو نظرنا إلى الانفاق الحكومي في كل من الامارات والكويت وفق بيانات وتوقعات صندوق النقد، سنجد أن الانفاق الحكومي في الامارات من سنة 1994 إلى 2021 سيحقق نمواً في الناتج المحلي بعد خصم إيرادات الدولة يعادل 18.6 في المئة بينما في الكويت ولنفس الفترة سيحقق نمواً بـ 6% فقط. أي إن الانفاق الحكومي في الكويت لا يتم بكفاءة عالية وتحصيل أموال من الضرائب قد يزيد من الهدر الحكومي بدل من أن يقلله (نشر في القبس بتاريخ 4 فبراير 2017 بعنوان «مليار دينار كلفة الهدر والفساد سنوياً»). 5 – مما سبق يمكن الاستدلال بأن ثقة المواطنين بالحصول تعويض نظير تحملهم لأعباء الضرائب الجديدة غالبا ستكون قليلة جداً في الكويت مقارنة بالإمارات. إن فرض ضريبة القيمة المضافة في الامارات يتماشى مع التطور الاستثنائي فيها، وهو خطوة على طريق الاحتفال بتصدير آخر برميل نفط. أما في الكويت فهو حل ترقيعي وغالباً ما سيصعب الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية في المستقبل، لأن الضرائب وإجراءات التقشف تساهم في تقليل النمو الاقتصادي الداخلي، خاصة أن الحكومة في الامارات نجحت في التربح من الوافدين بينما لا تزال الحكومة في الكويت تتحمل الكثير من تكاليفهم بدلاً من صاحب العمل. أثر رفض الضريبتين يشير المراقبون إلى أن المناطق التجارية الحرة في الامارات التي لن تخضع لضريبة القيمة المضافة والانتقائية يجب أن تتوافر فيها الشروط التالية: 1 – بها أنظمة أمنية تضبط وتتحكم في عملية دخول وخروج البضائع والأفراد. 2 – تخضع لرقابة الجمارك وسلطات الدولة. 3 – تفرض الضرائب على البضائع الخارجة من المنطقة الحرة إلى داخل الدولة ولا تفرض على البضائع المصدرة. وحسب اللائحة التنفيذية الإماراتية لضريبة القيمة المضافة «تعامل أي دولة من دول مجلس التعاون كدولة مطبقة وفقاً لأحكام المرسوم بقانون وهذا القرار إذا توافرت الشروط الآتية: أ – في حال قامت بمعاملة الدولة بذات المعاملة كدولة مطبقة في تشريعها الصادر. ب – الامتثال الكامل لأحكام الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وحسب اللائحة التنفيذية السعودية «لأغراض النظام، فإن أي دولة عضو لم تقم ببدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة بعد الأول من شهر يناير 2018، سوف تعامل كدولة خارج إقليم دول المجلس. التوريد الذي تتم معاملته وفقاً لأحكام الاتفاقية على أنه أجري في دولة عضو لم تقم ببدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة في وقت التوريد، سوف يعامل على أنه أجري في دولة ثالثة خارج إقليم دول المجلس، ويتم معاملة الأشخاص المقيمين في تلك الدول معاملة المقيمين في دولة ثالثة». إلى ذلك، وعلى الرغم من عدم وضوح بعض البنود إلا أنه يفترض أن يعني ما سبق في حالة رفض الكويت المطلق لتطبيق الضريبة التالي: 1 – يعامل مواطنو الكويت كسياح ويحق لهم استرجاع الضريبة على السلع التي يشترونها من الامارات والسعودية ليستخدموها في الكويت. (مثل حالة استرجاع الضريبة في أوروبا) 2 – البضاعة الواردة إلى الكويت من السعودية والامارات ستكون كأنها بضاعة مصدرة وستطبق عليها الضريبة بنسبة صفر. 3 – البضاعة المصدرة من الكويت إلى السعودية والامارات ستفرض عليها الضريبة كاملة. ويعني كل ما سبق أن رفض الكويت لتطبيق ضريبة القيمة المضافة والانتقائية سيجعلها بمنزلة أكبر منطقة تجارية حرة في الخليج العربي. وهذه أكبر وأهم خطوة وفرصة لتحويل الكويت لمركز مالي وتجاري. لتوضيح الصورة أكثر وحسب ارقام الصادرات والواردات لسنة 2016 الصادرة من الإدارة المركزية للإحصاء، كانت قيمة اجمالي الواردات إلى الكويت 9.269 مليارات دينار منها 1.481 مليار دينار أو %16 فقط من دول مجلس التعاون وقد تكون نسبة كبيرة من هذه الواردات تأتي من المناطق التجارية الحرة التي لن تفرض عليها الضريبة من الأساس. فلماذا المبالغة والتهويل الإعلامي من آثار رفضها على الكويت؟ أما بالنسبة للصادرات الكويتية لدول الخليج فكانت قيمتها في 2016 تعادل 496 مليون دينار فقط، وهي أقل من %5 من اجمالي الصادرات الكويتية حتى بعد انخفاض أسعار النفط. الضريبة الانتقائية منحازة على عكس الضرائب ذات النسب الصغيرة من السعر، مثل 15 %و20%، فرض الضريبة بنسبتي 100% و50% من السعر يضر بالمنافسة ويعطي أفضلية للمنتجات الرخيصة على حساب المنتجات المرتفعة في السعر. وهذا يخالف المبادئ التي جاءت في قانون حماية المنافسة الكويتي رقم 10 لسنة 2007 التي تحظر الاتفاقيات أو العقود أو الممارسات أو القرارات الضارة بالمنافسة الحرة. كما أن مشروبات الطاقة الرخيصة أو المشروبات الغازية الرخيصة أو حتى السجائر الرخيصة ليست بالضرورة أقل ضررا من المرتفعة السعر ليبرر ذلك انحياز الضريبة للمنتجات الرخيصة. ولو نظرنا بتمعن، لوجدنا أن هذا الانحياز قد يفيد المنتجات الرخيصة التي تصنع في السعودية نظرا لاعتمادها على اقتصاديات الكم أو حتى السجائر ومنتجات التبغ الرخيصة التي تصنع في الامارات. لكن يبقى السؤال الأهم وهو هل ستلتزم دول مجلس التعاون بتطبيق الضريبة الانتقائية أو حتى القيمة المضافة على منتجات المناطق الحرة التي تدخل الدولة نفسها؟ أم سنجد مصانع أكثر الدول التزاما بتطبيق الضريبة نفسها ضحية التهرب الضريبي في دول أخرى؟ محمد رمضانكاتب وباحث اقتصادي@rammohammad

مشاركة :