تحطيم المعبد الإعلامي على رؤوس مشيديه بقلم: كرم نعمة

  • 12/30/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الأم الأميركية البدينة، الغاضبة والناقمة على عالم جديد سلب أفراد الأسرة من الأسرة! خطبت قائلة أنا هنا لأشجب وأستنكر آثار مواقع التواصل الاجتماعي على أبنائي، ومنها عصيان الأوامر وقلة الاحترام قبل أن تطلق النار على أجهزة أبنائها الذكية من البندقية في يدها. العرب كرم نعمة [نُشر في 2017/12/30، العدد: 10856، ص(18)] يكاد هذا المشهد المصور بكاميرا غير احترافية، يختصر سنة كاملة من الضجيج والعبث الإعلامي الذي مر على العالم، ليس بطله الوحيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هناك أم أميركية استعادت المبادرة ببندقيتها من أجل تحطيم المعبد على رؤوس مشيديه مارك زوكربيرغ في فيسبوك، ومدير تويتر جاك دورسي، والرئيس التنفيذي لشركة غوغل اريك شميدت وحشد آخر من المساهمين في صناعة عالم رقمي يتصاعد من وادي السيلكون. جملة المجتمع يدمر نفسه بنفسه، لم تجد لها حلا تلك الأم الأميركية غير تدمير سلاح المجتمع الرقمي لاستعادة سطوتها على أسرتها. ببساطة يكشف لنا هذا الفيديو عن خطبة ألقتها الأم أمام الكاميرا “لولاها لما شاهدنا هذا الفيديو، بينما حطمت أجهزة مماثلة لها!!” وبحضور أبنائها وبندقية القتل في يدها، عن مشهد مماثل أداره الرجال الأشداء في الحكومات الدموية، هذه الأم الأميركية كانت قاتلة بامتياز في تعاملها مع أدوات التواصل الرقمي في العالم المعاصر، لتعبر عن غضبها تجاه انشغال أبنائها بوسائل التواصل عن حياتهم الطبيعية. تسلحت ببندقيتها في حديقة مجاورة لمنزلها بينما يحيط بها أولادها والرهبة أخذت من ملامحهم، بعد أن وضعت هواتفهم الذكية وأجهزتهم المحمولة على منصة لتصوب عليها رصاصات الموت. خطبت الأم الأميركية البدينة، الغاضبة والناقمة على عالم جديد سلب أفراد الأسرة من الأسرة! قائلة “أنا هنا لأشجب وأستنكر آثار مواقع التواصل الاجتماعي على أبنائي، ومنها عصيان الأوامر وقلة الاحترام” قبل أن تطلق النار على أجهزة أبنائها الذكية من البندقية في يدها. وردت على شتائم أولادها وهم يرون هواتفهم تحطم بإطلاق نار حانق من بندقية والدتهم بقولهم تباً لك “لا أقبل أن يشتمني أحد، أنا هنا لأستعيد مكانتي كأم، أرفض عصيان الأوامر، فكلمات أبنائي هي الأهم بالنسبة لي من أي جهاز إلكتروني، وأرفض أن يكون لهذه الأجهزة تأثير سلبي عليهم، بعد أن يتواصلوا مع أشخاص لا يعرفونهم، يتورطون في مشكلة لا دخل لهم فيها، ويقعون في مشاكل في المدرسة لأنهم أحضروا هواتفهم” قبل أن تنقض على ما تبقى من هياكل الهواتف المدمرة بمطرقة حديدية لتتم عملها في التحطيم التام بقوة البندقية والمطرقة. كانت خطبة أم حريصة ومسؤولة عن كل كلمة قالتها في حضور أبنائها بمختلف أعمارهم، من أجل استعادة مكانتها المفقودة في الأسرة، لحساب فيسبوك وتويتر!! لكن على مهلكم! هل حقا استعادت تلك السيدة الغاضبة التي كان يتطاير الشرر من عينيها الواسعتين مكانتها، بمجرد تحطيم هواتف أولادها بطريقة عنيفة وببندقية تستخدم في الحروب وقتال الأعداء، لم يفكر لا كلاشينكوف ولا غيره من صناع البنادق الرشاشة في حرب تحطيم الهواتف الذكية! يبدو لي أن زوكربيرغ وزملاءه أمام حرج كبير، فكل المجتمع يحطم نفسه بنفسه على وسائل التواصل، أمام مسوغات متداولة تبدأ بالشعبوية وتتصاعد بالكراهية، ولا تنتهي في ما بعد الحقيقة. علينا أن نقدر غضب هذه الأم الأميركية من تأثيرات وسائل التواصل على أولادها، لكنها لسوء الحظ لم تجد الحل لا في غضبها ولا في استخدامها السلاح القاتل، الغضب لا يجلب حلا لمعضلتنا جميعا، نحن جيل الهواتف الذكية، مثلما اعتبر روني باتز، الباحث بجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، الديناميكية التي تؤدي إلى الغضب ليست ذاتها التي تؤدي إلى التغيير، قائلا “عندما تتركز الأنظار على مثل هذه الأحداث والفضائح، فإنها تصبح مفيدة فقط عندما تكون ثمة عملية جارية تكافئ حجم الغضب المشتعل”. بينما يرى ليونيد بيرشيدسكي الكاتب الروسي المهتم بتأثيرات وسائل التواصل على الحياة العامة والسياسية، حظر الهواتف الذكية عن الأطفال يعيدهم إلى تعلم مهارات عتيقة، فالهاتف الحديث يشمل جهازاً للتسجيل الصوتي وكاميرا وأطلساً للخرائط، وكراسة للكتابة، ولذلك فإن حرمان الأطفال من مثل هذا الجهاز المفيد سيكون أمراً قاسياً ولن تكون هناك فائدة جراء ذلك، ويشبه بيرشيدسكي الأمر بحرمان البالغين من هواتفهم في أماكن العمل. يعترف الباحثان في وسائل التواصل ديفيد غنسبرغ ومويرا بروك في دراسة مشتركة لهما، بأن الناس يشعرون بالقلق تجاه تأثير التكنولوجيا على مساحات انتباهنا وعلى علاقاتنا، وتجاه تأثيرها على الأطفال على المدى البعيد. ويريان أن تلك أسئلة من المهم الإجابة عنها، ولا يزال أمامنا الكثير لنتعلمه. ومع أن العالم الرقمي وصوتنا فيه أعطى المستخدمين جرعة شجاعة للتعبير عن أفكارهم مثلما أصابهم بالتنمر وزاد من نسبة الإحساس باللامسؤولية تجاه ما يعلنونه على مدوناتهم الشخصية، وبتعريف أنفسهم بما يكرهون وفق الروائي سلمان رشدي، إلا أن وسائل الإعلام المحترفة أصيبت بعدوى مماثلة وتراجع مستوى الحساسية لديها، وهنا يكمن الخطر الجمعي على المجتمع. القليل جدا من حافظ على عاداته القديمة الجميلة، إننا نتواصل مع بعضنا البعض بطريقة أكثر سهولة لكنها جافة وأقل جودة وعاطفة، وربما لهذا السبب حملت الأم الأميركية بندقية العائلة لتحطم بها هواتف أولادها. يعرض بيرشيدسكي مثل هذا الأمر بطريقة مبسطة بعد قضاء وقت مع فيسبوك، قائلا “لكنك ستكتشف أنه كان من الأفضل لو أنك قضيت هذا الوقت في أداء أي شيء آخر، باستثناء تعاطي الهيروين بالطبع. ما يهم هنا ليس السؤال عما إذا كان الناس يستمتعون بالوقت الذي يقضونه بموقع فيسبوك، لكن الأهم هو السؤال عما إذا كان الناس يضيعون وقتهم في علاقات ضحلة وفي مطاردات غير مثمرة”. لا الأم الغاضبة ببندقيتها، ولا التفسير الذي سبق وأن عرضه أريك شميدت بالقول إن الإنترنت أطلق سراح العالم من أجل ربط العالم، ولا حتى الأمل الذي يتوج به زوكربيرغ رحلاته من أجل مجتمع أفضل على فيسبوك، قادرة جميعها على تغليب الفوائد على الأضرار في عالم صارت فيه أدمغتنا لا تعطي الأوامر إلا لأصابع تتحرك على شاشات صغيرة! كاتب عراقي مقيم في لندنكرم نعمة

مشاركة :