الكتلة الوطنية.. مقومات النجاح وعوامل التعثر 2 /‏ 4

  • 12/31/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

ومن الخلفية التاريخية التي تؤسس لتجذر مفهوم «الكتلة الوطنية» في الموروث الفكري السياسي العربي، نتجه نحو الأصناف المختلفة لمثل تلك الكتلة، والخلفيات التي تحكم مفهوم تأسيسها، وتنظم آليات تبلورها، ومن ثم مكونات تخليقها في المجتمعات العربية، ومن بينها المجتمع البحريني. وعلى هذا الأساس يمكن رصد أهم أنواع الكتل الوطنية التي عرفتها مسيرة العمل السياسي العربية في خمس فئات رئيسة تتحكم فيها المنطلقات الآتية: 1. المنطلقات الفكرية، إذ تفرض الانتماءات الأيديولوجية نفسها على شروط عضوية كتلة وطنية ما، ويصبح القبول بها شرطا أساسيا غير قابل للمساومة. وتتوزع مثل تلك الانتماءات على مروحة واسعة من الأطراف متعددة المشارب، تبدأ بالمرن منها حتى المتشدد، وتعرج على القومي المترامي الأطراف مقابل الوطني المحدود، قبل ان تقف عند الأممي الذي يحمل تحت أكنافه فئات فرعية أخرى مثل الأممي العلماني، أو نظيره الأممي المتدين، بمختلف ألوان طيف الأممية والأديان. وقد عرفت البحرين في تاريخها المعاصر فئات مختلفة من تلك التكتلات الوطنية، نضرب منها على سبيل المثال لا الحصر: كتلتي «الشعب» و«الدينية» في برلمان السبعينات من القرن الماضي. وبالمقياس ذاته يمكن قراءة التجربة البرلمانية الكويتية عبر مسيرتها التاريخية التي تمتد لما يزيد على النصف قرن. 2. المنطلقات السياسية، عندما تختلف برامج كتلة وطنية معينة عن تلك التي تنافسها في الساحة السياسية الواحدة. ونكتشف، وهو أمر لا يعود إلى إيجابية التنوع والتعددية، بقدر ما تخضع لقوانين التخلف السياسي وضيق الأفق الذي يواكب، تنافس كتلتين سياسيتين تنتميان إلى فكر يكاد أن يكون متطابقا. وعند التفتيش عن الأسباب الحقيقية الكامن وراء تلك التعددية غير المبررة، نصطدم بالمصالح الشخصية للقيادات في حالات معينة، والتركة الفكرية القبلية أو الطائفية في حالات أخرى. وأسطع الأمثلة على ذلك هي التجربة اللبنانية في نطاق البلد الواحد، وتشظيات الحركة الشيوعية والقومية، كل على حدة في سوريا والعراق على المستوى العربي الأكثر اتساعا. وعرفت مرحلة الستينات والسبعينات حالات متكررة ومتتابعة عانت خلالها الكتل الوطنية التي شكلتها تلك القوى السياسية من تشرذم غير مسبوق، أسهم في إبطاء مسيرة الكتلة الوطنية التي نتحدث عنها وعرقلة تقدمها. 3. المنطلقات التنظيمية، والمقصود هنا تحديدا طبيعة وشروط الانتماء إلى هذه الكتلة الوطنية أو تلك. ففي حالات معينة نجد شروط الانتساب مبنية على الانتماء الحزبي، فتكون العضوية مقتصرة على التنظيمات السياسية لا الأفراد. وهناك حالات كثيرة لهذه الفئة تكررت على امتداد خمسين السنة الماضية، مثل تجربة «الجبهة الوطنية التقدمية» في كل من العراق وسوريا في السبعينات من القرن الماضي، وعدد لا يحصى خلال الفترة ذاتها في مصر. ولا تغيب عن بالنا بعض التجارب التي بادرت بها بعض الأنظمة الحاكمة عندما يتعلق الأمر بالكتلة الوطنية ذات العضوية الفردية لا الحزبية. ولعل الاتحاد الاشتراكي المصري خلال الحقبة الناصرية أبرز الكتل الوطنية خلال الفترة التي نتحدث عنها. 4. المنطلقات العرقية، وهي التي تقوم على مرتكزات عرقية أو فئوية، وهي التي تقوم أساسا على استثارة الانتماء العرقي، أو الجذور الإثنية. ومثل تلك الكتل كانت نادرة واستثنائية في منطقة الخليج العربي، بما فيها البحرين؛ نظرا إلى سيادة الانتماء العربي، وضآلة نسبة من هم من غير العرب، بل وجدنا في حالات كثيرة، في حالة الخليج العربي، انتساب من هم من غير العرب إلى قوى سياسية تنتمي إلى الفكر القومي العربي. لكن عرفت بلدان عربية أخرى بروز تكتلات عرقية، مثل الأكراد في العراق، والأمازيغ في المغرب العربي، لا يمكن الطعن في وطنية أعضائها تكون مرتكزاتها عرقية. هذا لا ينفي انحراف البعض منها عن المسار الوطني، وتجاوزها السياج الذي يحيط به، لكنها شكلت استثناءات تؤكد القاعدة وتثبت أساساتها. 5. المنطلقات المذهبية، وهنا نجد أنفسنا أمام انقسامات فسيفسائية غير مبررة، ولا نجد ما يفسرها أي سبب آخر سوى النظرة السياسية الضيقة التي لا تبتعد كثيرا عن المصالح الشخصية النزقة لأفراد القيادات التي وقفت وراء مثل تلك التشظيات. إذ يصطدم المتابع هنا ببروز كتل سياسية ليست مبنية على الانتماء الديني فحسب، بل نجدها منقسمة في نطاق المذهب السياسي الواحد. فعرفنا العديد من الكتل الوطنية المسيحية، وعلى نحو مواز لها وجدنا الحالة نفسها تتجسد في نطاق المذهب الإسلامي الواحد، لا نستثني من ذلك أيا من المذاهب الإسلامية المختلفة. بقيت قضية في غاية الأهمية، أن هذه الاختلافات التي أشرنا إليها، لم تكن في أي من حالاتها تعبر عن غنى في التنوع الفكري، أو ثروة في التشكل التنظيمي، بقدر ما كانت انعكاسا لمدى التخلف السياسي الذي كانت تعاني منه الحركة السياسية العربية. وأكثر ما يحز في النفس أن الحالة لا تزال تفرض نفسها على مسيرة العمل السياسي البحريني. فلو رصدنا عدد القوى السياسية البحرينية التي جاءت ولادتها مع انطلاقة ميثاق العمل الوطني، وتوقفنا عند القوى التي تشكلت على خلفيات انتماءاتها الفكرية فقط، وتجربتها التنظيمية، فسوف نصدم بالنتائج التي رافقت تلك التجربة التي لم يخرج أحد منها سالما. تكفينا هنا الإشارة إلى التمزقات التي عانت منها «الكتل الوطنية»، سواء تلك التي شاركت في انتخابات المجلس الوطني أو قاطعتها. ونختم هنا بالحديث عن مختلف القوى التي يفترض أن تتشكل منها «كتلة وطنية» ينخرط في صفوفها مكونات التيار السياسي المدني البحريني التي لم تكن خلافاتها تتجاوز حدود الاجترار التاريخي غير المبرر لتجاربها السابقة، أو خلافات شخصية بين أفراد أطرها القيادية. ولم تكن قوى التيار الإسلام السياسي، إذا توقفنا عند أبوابه بشكل منفصل، بأفضل حال من نظرائه من قوى التيار السياسي المدني. وعليه فمن غير المتوقع بروز كتلة سياسية بحرينية مؤثرة في مجريات الأمور، طالما استمرت أمراض التناقضات التنظيمية طافية على سطح العلاقات بين القوى المؤهلة لبناء مثل هذه الكتلة التي نحن في أمسّ الحاجة إلى تبلورها.

مشاركة :