كل قرش يستقر في أرض الوطن هو مكسب وادخار للمستقبل، وكما تعلمنا ونحن صغار بأن «القرش الأبيض لليوم الأسود»، فإننا ندعو الله ألاَّ يأتي هذا اليوم الذي نضطر فيه للبحث عن القرش الأبيض. إن الاقتصاد هو الوصفة السحرية لحل مشكلات الدول والأفراد. وعلى الرغم من كونه عملية معقدة، إلا أن هناك من البديهيات التي تجعله واضحاً، لذلك تمكن كثير من البسطاء من أن يصبحوا أغنياء. ويعرف التاجر أن المال الذي يصرفه لا يمكن أن يعود إلى خزنته إلا إذا تم توظيفه في عمل تجاري، أي بمعنى أنه لا يسمح بخروج المال من مخبئه إلا للضرورة القصوى، أو لتشغيله بهدف الربح. تعالوا نحاسب أنفسنا ونتابع شؤون حياتنا ونسأل: كيف نخسر الأموال التي تذهب ولا تعود؟. على سبيل المثال، يصرف المواطنون على السياحة الخارجية المليارات، كذلك تحول العمالة الوافدة المليارات إلى أوطانها، كما تصرف الدولة على تعليم أبنائنا في الخارج المليارات، ونستورد البضائع بالمليارات. وهذه كلها من صور نزف أموالنا التي تخرج ولا تعود، لأنها نفقات ومصروفات وليست أموالا تشغيلية يتم استثمارها في مشاريع إنتاجية تعود بالربح. صحيح أنه لايمكن لأي بلد أن ينعزل عن التعامل مع العالم الخارجي تجاريا وثقافيا، لكن أن نستمر في لعب دور الثري الذي ينفق بلا حساب، فهذا غير مقبول، ويحتاج إلى وقفة. فلماذا على سبيل المثال، لا ندعم تطوير السياحة الداخلية، فكثير من المواطنين والمقيمين يذهبون لقضاء العطل الأسبوعية وغيرها في دول مثل البحرين والإمارات، ومعظم هؤلاء يذهبون لمشاهدة أحدث الأفلام السينمائية. ما الفرق بين السينما والتليفزيون، بل إن ما يعرض في السينما يمكن مراقبته وحذف المقاطع غير المناسبة، على عكس الفضائيات التي تفرض علينا برامجها دون القدرة على التدخل في محتواها. أنا كذلك لست ضد الابتعاث، إلا أنه من الممكن التخفيف من حجم الإنفاق الكبير على برامج الابتعاث، عن طريق افتتاح فروع للجامعات العالمية لدينا، فنقلص بذلك من حجم الإنفاق على برامج الابتعاث، وفي الوقت نفسه نحصل على المستوى التعليمي والمعرفي العالمي بل ننقله إلى داخل المملكة. أما بالنسبة للاستيراد، فمع الأسف هناك من السلع البسيطة، التي يمكن إنشاء مصانع ومعامل لإنتاجها في الداخل وبالتالي لا نحتاج إلى استيرادها. إذاً ومن أجل الترشيد في النفقات، ووضعها في قنواتها الصحيحة، وحتى لا نجامل أنفسنا على حساب المستقبل، لا بدّ أن ندرك بأن القرش الذي ننفقه ويخرج من الخزينة لن يعود إليها إلا إذا تم استثماره، ولهذا لابدَّ من التفكير الجدي في أن نحد من هذا النزف المالي الذي يخرج من بلادنا.
مشاركة :