شددت دولة الاحتلال، اليوم الثلاثاء، قيودها على أي تصويت قد يجري في المستقبل على التخلي عن أجزاء من القدس للفلسطينيين.. ورفع التعديل الذي أقر البرلمان الإسرائيلي إدخاله على تشريع قائم بالفعل، عدد الأصوات اللازم للموافقة على أي اقتراح بترك جزء من المدينة «لطرف أجنبي» من 61 صوتاً إلى 80 صوتاً من أصوات أعضاء الكنيست المؤلف من 120 عضواً. ويجيء التعديل، الذي ظل مطروحاً في الكنيست لفترة طويلة، بعد أقل من شهر على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال. كانت القدس هي عنوان الدعاوى التبشيرية في كل خطوة، وهي المقصد والهدف الأكبر الذي يلامس حدود القداسة في حلم الصهيونية، وكان البحث عن اللحظة المناسبة، أن يدخل الحلم إلى عالم الحقائق السياسية، ومنذ البدايات الأولى للحركة الصهيونية، حيث دأب منظورها على ترسيخ ما يسمونه الهدف الأعظم في أذهان يهود العالم، وهو إحتلال القدس لتصبح عاصمة لدولتهم المنتظرة « إسرائيل» .. وأن من يملك القدس يملك فلسطين. وجاء قرار ترامب ليحقق الحلم. ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي «شلومو ساند»، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة تل أبيب، أن القدس كانت ضحية اختراع الشعب اليهودي، فهو يرى أن «الشعب اليهودي آت من الكتاب المقدس، بمعنى أنه شىء خيالي تم اختراعه بأثر رجعي» بحسب رصده في الدراسة التاريخية المتعمقة التي تضمنها كتابه الأشهر «اختراع الشعب اليهودي» أو «متى وكيف اخترع الشعب اليهودي »، وكشف زيف فكرة القومية اليهودية.. ويقول «شلومو ساند» : أنا مثل بقية الإسرائيليين اعتقدت بأن اليهود كانوا شعبا يعيشون في يهودا، وأن الرومان نفوهم عام 70 ، ولكن عندما بدات أنظر إلى الأدلة اكتشفت أن النفي هو أسطورة ، حيث لم أجد أي كتاب تاريخي يصف أحداث النفي، وأن السبب في ذلك هو كون الرومان لم ينفوا أي شعب من فلسطين، وأن معظم اليهود في فلسطين كانوا فلاحين، وكل الأدلة تشير إلى أنهم مكثوا على أراضيهم، أما فكرة الشعب اليهودي أو القومية اليهودية التي بنيت على أساسها الصهيونية، وأنشأت دولة إسرائيل، فهي أسطورة اخترعت منذ نحو قرن واحد!! ويضيف المؤرخ الإسرائيلي: لاوجود لقومية يهودية، أو شعب يهودي واحد، يعود في أصوله العرقية والبيولوجية إلى جذور منفردة، كما يزعم الفكر الصهيوني، وإنما هناك الدين اليهودي، الذي ينتسب أتباعه إلى قوميات وإثنيات وجغرافيات متعددة، وأن القومية اليهودية مشروع صهيوني، تطورت بذوره في القرن الـ 19، متأثرا بالقومية الألمانية، ومع تجذر عصر القوميات في أوروبا، حيث قام الصهاينة باستنساخ التجربة، بخلق واختراع قومية يهودية، ليست موجودة سواء من الناحية التاريخية أو العلمية، فقد اعتبر اليهود أنفسهم شعبا لمجرد اشتراكهم في ديانة واحدة، ثم شرعوا في خلق تاريخ قومي لهم، باختراع فكرة الشتات والعودة إلى أرض الميعاد، وقد قامت هذه الفكرة الأخيرة، أو الإختراع الصهيوني، على ركنين أساسيين، ينتميان إلى التاريخ التوراتي غير الدقيق : الركن الأول هو فكرة الشتات اليهودي، أما الركن الثاني فهو كون الدين اليهودي لم يكن دينا تبشيريا، يل ظل محصورا بالجماعة الإثينية التي حملته واعتنقته في بداياته، ومما يعني بحسب الإدعاء الصهيوني أن الشتات الذي طرد من فلسطين وبقى على قيد الحياة، يعود في جذوره إلى القبائل اليهودية الأصلية التي هجّرت من فلسطين، وأن اليهودية لم تدخلها أجناس أخرى أثرت على نقاء العرق اليهودي، وهو الأمر الذي يتنافى تماما مع حقيقة أن اليهودية لم تختلف عن غيرها من الديانات في نزوعها نحو التبشير، وإقناع أفراد وقبائل وشعوب أخرى بالدين الجديد. ويقول المؤرخ الإسرائيلي، وأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة تل أبيب: لقد ولدت دولة إسرائيل بفعل اغتصاب للمواطنين الأصليين عام 1948 وأن القومية اليهودية المختلقة على أرض فلسطين ، لم تكن إلا مشروعا سياسيا إستعماريا وأيديولوجيا ، وأطروحاته يجب أن ترى من منظار الأيديولوجيا ، وليس التاريخ .. أي أن القدس المحتلة كانت ضحية اختراع الشعب اليهودي، وضحية مزاعم الحركة الصهيونية حول «أرض الميعاد»ن وخلق دور حاكم للعقيدة اليهودية، يستمد تأثيره من أساطير التوراة!! ويتفق البروفيسور «روبرت ألتر» أستاذ الديانة اليهودية في جامعة بيركلي ( كاليفورنيا ـ الولايات المتحدة ) مع توثيق ورصد المؤرخ الإسرائيلي «شلزمو ساند»، بأن «التوراة المتداولة الآن يجب قراءتها بعيون الأدب وليس بعيون التاريخ أو الدين، حيث أصبح معروفا اليوم أن الأسفار الخمسة الأولى التي تنسب إلى النبي موسى مشكوكا في نسبها إليه، بل ترجع إلى جملة من الكتّاب اختلفت توجهاتهم العقائدية»!!
مشاركة :