بلغ الفساد في إيران ذروته. فحين يتم تمويل عصابات خارجة على القانون على حساب مستقبل شعب جائع، فإن الحكايات الدينية لا تكفي لتفسير ما يجري وسد الفراغ.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2018/01/03، العدد: 10858، ص(9)] ذلك هو أحد الشعارات الذي رفعه المتظاهرون الإيرانيون في انتفاضتهم ضد نظام الملالي. وسواء رُفع ذلك الشعار حبّا أو كراهية بالعرب، فإنه يُحدث في نفوس العرب وقعا مؤثرا. فمنذ اليوم الأول الذي استلم فيه الخميني السلطة في إيران وأعلن عن قيام دولته الدينية جعل من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية هدفا لا يمكن التخلي عنه في كل الظروف، وذلك لارتباطه بمبدأ تصدير الثورة وهو واحد من أهم المبادئ التي أقيمت على أساسها دولة الولي الفقيه. ولقد كان واضحا أن سياسيي إيران سواء أكانوا محافظين أم إصلاحيين متمسكون بذلك المبدأ الذي هو جوهر ما يُسمّى بـ”خط الإمام”. وهو ما يعني أن هناك اتفاقا بين الفرقاء المختلفين على أن جمهوريتهم لا يُكتب لها الاستمرار والبقاء من غير الهيمنة التي يطمعون في ممارستها على الدول العربية بذريعة الوصاية على شيعة العالم العربي. كان الدور الذي لعبته إيران المحكومة من قبل ثلة من المتخلفين والمتعصبين وصانعي الأزمات والراغبين في عسكرة المجتمعات وابتذال الحياة بغيضا بما انعكس سلبا على حياة الشيعة العرب التي جرى تسميمها بطريقة منظمة، بحيث صار رجال الدين هم رموز تلك الحياة بدلا من العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والشعراء والفنانين. وهو ما ألحق الرثاثة والعزلة والتخلف بشريحة مهمة من المجتمع العربي الذي سعت إيران إلى شقه والعصف باستقراره من خلال فتن داخلية قادتها شخصيات موالية لها من نوع حسن نصرالله في لبنان ونوري المالكي في العراق وعبدالملك الحوثي في اليمن. وفي المقابل فإن الإيرانيين كانوا على الجانب الآخر يدفعون ثمن مغامرات النظام الطائفية فقرا وبؤسا وعطالة وتهميشا. فإذا كانت الحرب العراقية الإيرانية قد انتهت عام 1988 فإن حروب نظام الملالي لم تنته ولن تنتهي أبدا. وهو ما صار الإيرانيون على يقين كامل منه. بل صاروا على يقين أيضا من أن المطلوب غربيا أن يستمر النظام في حروبه من أجل أن تكون تلك الحروب ببرنامج أسلحتها ذريعة لاستمرار الحصار الخانق الذي دمر الاقتصاد الإيراني ودفع بالفقراء إلى المزيد من الفقر. انتفاضة الإيرانيين اليوم ليست انتفاضة جياع فحسب، بل هي في واحدة من أكثر صورها تعبيرا عن الحقيقة انتفاضة يائسين. لقد تم تمزيق وحرق صور الخميني وخامنئي وهو ما يحدث للمرة الأولى وله دلالة القطيعة مع طغيان الرمزيات الدينية التي لطالما خضع الفقراء لها صاغرين خشية أن يتم اعتبارهم خارجين على العقيدة. لقد بلغ الفساد في إيران ذروته. فحين يتم تمويل عصابات خارجة على القانون على حساب مستقبل شعب جائع، فإن الحكايات الدينية لا تكفي لتفسير ما يجري وسد الفراغ. وكما يبدو فإن الإيرانيين قد عثروا على ضالتهم في عصيان النظام من خلال القطيعة مع المرويات الدينية التي غسلت أدمغتهم، وتبيّن لهم أنها لم تكن سوى وسيلة لسرقتهم وهدر أموالهم في مشاريع سياسية كان الغرض منها إلحاق الأذى بالدول العربية. “اتركوا العرب وشأنهم” الشعار الذي يرفعه الإيرانيون في تظاهراتهم كان مطلبا عربيا سعت الدول العربية إلى أن تُفهم النظام الإيراني بالحسنى ما ينطوي عليه من التزام بالقانون الدولي من غير أن تصل إلى نتيجة تُذكر. لقد سبق لأركان النظام الإيراني أن تباهوا بأذرعهم الممتـدة من بيروت إلى صنعاء مرورا بدمشق وبغداد. اعتراف كانت الشعوب الإيرانية في حاجة إليه لتعرف أين تذهب أموالها. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :